وخرج بها ماركس مهاجرا إلى باريس، حيث تعرف إلى برودون وباكونين وسان سيمون، وكان هؤلاء الثلاثة من أقطاب الاقتصاد في ذلك الوقت، ومن غلاة الحاملين على مبدأ الملكية، فأشرب ماركس آراءهم، وأخذت هذه الآراء تتطور في نفسه وتتكشف، حتى تفتحت أزهارها عن الاشتراكية الحديثة.
وعرف ماركس في ذلك الوقت أيضا هينه، الأديب الألماني الذي لا يفوقه في الأدب الألماني سوى جوته. وكان هينه يفتن كل من يقترب منه أو يقرأ له، بل كان بيته يحاصر أحيانا بمن أحبه من النساء والرجال.
وتعلقت زوجة ماركس بهينه بعض التعلق، وكان هينه يحبها، ولكن أكثر الرواة يجمعون على أن هينه احترم في ماركس صداقته، ولم يخنه في زوجته، وأن الزوجة عاشت أمينة للزوجية، لم تخل بشروطها، ولم يكن حبها لهينه إلا حبا أفلاطونيا بريئا.
وأوعز ملك روسيا إلى حكومة فرنسا أن تنفي ماركس من بلادها، فنفته، وبقي من ذلك الوقت إلى حين وفاته، وهو في فقر مدقع، دائم الرحلة من بلد إلى بلد، لا ينزل مكانا حتى يرى الشرطة قد احتاطته، وأخذت في إعناته بضروب من المكايدات، وانتهى به المطاف إلى لندن؛ حيث طبع كتابه «رأس المال» بعد أن عانى المشاق في وجود من رضي بطبعه.
ولم يكن يعوله سوى جريدة التربيون بنيويورك؛ إذ كانت ترسل إليه جنيها كل أسبوع، لكي يوافيها ببعض المقالات.
وانتهت هذه الحياة المعذبة بشيخوخة غير مطمئنة، فقد ماركس إيمانه بالله، وكفر بقوانين الزواج، وصارت الحكومات في نظره شرا عظيما، يجب أن يزال من الوجود. وماتت زوجته قبل وفاته بعام، ويحكى أنه عندما ذهب هو وأولاده الستة لكي يدفنوها، عثر فوقع في حفرة قبرها، ومنذ ذلك الوقت إلى يوم وفاته، انطفأت حماسته، ولم يعد يهتم لشيء في هذا العالم.
ناپیژندل شوی مخ