الْفَصْل الثَّالِث فِي اخْتِلَاف الْأَغْرَاض فِي تصانيف علم الحَدِيث
اعْلَم أَن هَذَا الْعلم على شرفه وعلو مَنْزِلَته كَانَ علما عَزِيزًا مُشكل اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَلذَلِك كَانَ النَّاس فِي تصانيفهم مختلفي الْأَغْرَاض فَمنهمْ من قصر همته على تدوين الحَدِيث مُطلقًا ليحفظ لَفظه ويستنبط مِنْهُ الحكم كَمَا فعله عبد الله بن مُوسَى الضَّبِّيّ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَغَيرهمَا أَولا وَثَانِيا أَحْمد بن حَنْبَل وَمن بعده فَإِنَّهُم أثبتوا الْأَحَادِيث من مسانيد رواتها فَيذكرُونَ مُسْند أبي بكر الصّديق ويثبتون فِيهِ كل مَا رَوَوْهُ عَنْهُم ثمَّ يذكرُونَ بعده الصَّحَابَة وَاحِدًا بعد وَاحِد على هَذَا النسق
قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ فَمنهمْ من رتب على المسانيد كَالْإِمَامِ أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأحمد بن منيع وَأبي خَيْثَمَة وَالْحسن بن سُفْيَان وَأبي بكر الْبَزَّار وَغَيرهم انْتهى
وَمِنْهُم من يثبت الْأَحَادِيث فِي الْأَمَاكِن الَّتِي هِيَ دَلِيل عَلَيْهَا فيضعون لكل حَدِيث بَابا يخْتَص بِهِ فَإِن كَانَ فِي معنى الصَّلَاة ذَكرُوهُ فِي بَاب الصَّلَاة وَإِن كَانَ فِي معنى الزَّكَاة ذَكرُوهُ فِيهَا كَمَا فعل مَالك فِي الْمُوَطَّأ إِلَّا أَنه لقلَّة مَا فِيهِ من الْأَحَادِيث قلت أبوابه ثمَّ اقْتدى بِهِ من بعده فَلَمَّا انْتهى الْأَمر إِلَى زمن البُخَارِيّ وَمُسلم وَكَثُرت الْأَحَادِيث المودعة فِي كِتَابَيْهِمَا واقتدى بهما من جَاءَ بعدهمَا وَهَذَا النَّوْع أسهل مطلبا من الأول لِأَن الْإِنْسَان قد يعرف الْمَعْنى وَإِن كم يعرف راوية بل رُبمَا لَا يحْتَاج إِلَى معرفَة رَاوِيه فَإِذا أَرَادَ حَدِيثا يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ طلبه من كتاب الصَّلَاة لِأَن الحَدِيث إِذا أورد فِي كتاب الصَّلَاة علم النَّاظر أَن ذَلِك الحَدِيث هُوَ دَلِيل ذَلِك الحكم فَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يفكر فِيهِ بِخِلَاف الأول
وَمِنْهُم من استخرج أَحَادِيث تَتَضَمَّن ألفاظا لغوية ومعاني مشكلة
1 / 62