وحدس صائب وَفهم ثاقب فتصانيفهم عَن قُوَّة تبصرة ونفاذ فكر وسداد رَأْي وَهَؤُلَاء أحسنو إِلَى النَّاس كَمَا أحسن الله تَعَالَى إِلَيْهِم وَهَذَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ أحد
وَالثَّانِي من لَهُ ذهن ثاقب وَعبارَة طَلْقَة طالع الْكتب فاستخرج دررها ومارس الصُّحُف فَأحْسن نظمها وَهَذَا ينْتَفع بِهِ المبتدؤن والمتوسطون وَمِنْهُم من جمع وصنف للاستفادة للإفادة فَلَا حجر عَلَيْهِ بل يرغب إِلَيْهِ إِذا تأهل فَإِن الْعلمَاء قَالُوا يَنْبَغِي للطَّالِب أَن يشْتَغل بالتخريج والتصنيف فِيمَا فهمه مِنْهُ إِذا احْتَاجَ النَّاس إِلَيْهِ بتوضيح عِبَارَته كي يكسبه جميل الذّكر وتخليده إِلَى آخر الدَّهْر والتعقب على الْكتب سهل بِالنِّسْبَةِ إِلَى تأليفها ووضعها وترصيفها كَمَا يُشَاهد فِي الْأَبْنِيَة الْعَظِيمَة والهياكل الْقَدِيمَة حَيْثُ يعْتَرض على بانيها من عرى فِي فنه عَن القوى وَالْقدر بِحَيْثُ لَا يقدر على وضع حجر على حجر
وَقد كتب القَاضِي الْفَاضِل عبد الرَّحِيم البيساني إِلَى الْعِمَاد الْأَصْفَهَانِي معتذرا عَن كَلَام استدركه عَلَيْهِ أَنه وَقع لي شَيْء وَمَا أَدْرِي أوقع لَك أم لَا وَهَا أَنا أخْبرك بِهِ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت أَنه لَا يكْتب إنْسَانا كتابا فِي يَوْمه إِلَّا قَالَ فِي غده لَو غير هَذَا لَكَانَ أحسن لَو زيد هَذَا لَكَانَ يستحسن وَلَو قدم هَذَا لَكَانَ أفضل وَلَو ترك هَذَا لَكَانَ أجمل وَهَذَا من أعظم العبر وَهُوَ دَلِيل على اسْتِيلَاء النَّقْص على جملَة الْبشر وَهَذِه الْفَوَائِد قد التقطتها من مُقَدّمَة كتاب كشف الظنون وَغَيره من كتب الْفُنُون وَإِن كَانَت قَليلَة الْمُنَاسبَة بفن الرسَالَة وَوضع هَذِه الْمقَالة نظم
(خرجت من شَيْء إِلَى غَيره ... كَذَلِك الْفَاضِل إِذا ينْسَخ)
(يكْتب هَذَا ثمَّ هَذَا وَذَا ... لَعَلَّه فِي قلبه يرسخ) فَائِدَة أُخْرَى
أَخذ النَّاس الْيَوْم يزهدون فِي الْعلم وينتفرون مِنْهُ ويشتغلون عَنهُ بتزاحم الْفِتَن تَارَة وَجمع الشمل أُخْرَى وبقلة الرغبات فِيهِ وَكَثْرَة
1 / 32