History of the Rightly Guided Caliphs: Conquests and Political Achievements
تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية
خپرندوی
دار النفائس
د ایډیشن شمېره
الطبعة الأولى ١٤٢٤هـ
د چاپ کال
٢٠٠٣م
ژانرونه
ولأن الجيش كان أشد ما يحذر ويخاف، دعا الأسود العنسي قائد جيشه قيس بن هبيرة، وأخبره بأن شيطانه أوحى إليه، يقول: "عمدت إلى قيس فأكرمته حتى إذا دخل منك كل مدخل، وصار في العز مثلك، مال ميل عدوك، وحاول ملكك، وأضمر على الغدر"، وأجاب قيس: "كذب وذي الخمار، لأنت أعظم في نفسي، وأجل عندي من أن أحدث بك نفسي"، وأجال الأسود العنسي نظرة في قيس، وقال له: "ما أجفاك! أتكذب الملك، قد صدق الملك، وعرفت الآن أنك تائب مما اطلع عليه منك"١.
وخرج قيس من عنده مرتابًا في ما يضمر له، واجتمع بفيروز وداذويه، وذكر لهما ما جرى بينه وبين الأسود العنسي، وسألهما رأيهما، فقالا: "نحن في حذر"، ويبدو أن الأسود العنسي علم بهذا الاجتماع، فأرسل إليهما يحذرهما مما يأتمران به، فخرجا من عنده، ولقيا قيسًا وهم جميعًا في ارتياب وخطر٢.
وعلم المسلمون في اليمن بما يجري في بلاد الأسود العنسي، كما وقفوا على فحوى رسالة النبي لهم، فأرسلوا إلى قيس وأصحابه يشجعونهم على التخلص من الأسود العنسي.
واستطاع وبر بن يحنس أن يستقطب عددًا من زعماء الأبناء، أمثال فيروز وداذويه، وجشيش وغيرهم، وقرر الجميع اغتيال الأسود العنسي، فاستعانوا بامرأته أذاد التي كانت تحقد عليه؛ لأنه قتل زوجها شهر بن باذان من قبل، ثم تزوجها بعد ذلك٣.
وحانت فرصة التحرك لتنفيذ المؤامرة عندما أرسل الأسود العنسي قواته في مهمة عسكرية بين صنعاء ونجران، فدخل المتآمرون حجرة نومه بعد أن مهدت لهم آذاد الطريق، فقتله فيروز واحتز قيس رأسه، وألقاه في باحة القصر، وتنادى الناس في المدينة فخرجوا صباحًا، واضطرب الوضع ثم استقر على أن يتولى الأمر معاذ بن جبل٤.
ولا بد لنا من الإشارة أخيرًا إلى التاريخ الذي قتل فيه الأسود العنسي، فهل جرت حادثة القتل قبل وفاة النبي أما بعد وفاته؟ يذكر اليعقوبي أن الأسود العنسي تنبأ في عهد رسول الله، فلما بويع أبو بكر ظهر أمره، واتبعه على ذلك قوم، فقتله قيس بن هبيرة المرادي، وفيروز الديلمي، دخلًا منزله وهو سكران فقتلاه٥، أما الطبري فيروي، قنلًا عن سيف، أنه قتل قبل وفاة النبي، وأنه ﷺ أوحي ذلك إليه ليلة حدوثه
١ الطبري: ج٣ ص٢٣١، ٢٣٢. ٢ المصدر نفسه: ص٢٣٢. ٣ البلاذري: ص١١٤. ٤ الطبري: ج٣ ص٢٣٥. ٥ تاريخ اليعقوبي: ج٢ ص١٥.
1 / 49