كما اعترضت خضر التراس وبينها ... عوامل أرماح أسنتها حمر
هو ابن بلادي كاغترابي اغترابه ... كلانا عن الأوطان أزعجه الدهر ويبدو أن الغربة الجزئية كانت أقوى أثرًا من هذه المشاركة التي رسمها ابن حمديس، وما ذلك إلا لأن ابن حمديس استنفذ معني الغربة في بكاء الوطن، فليست وقفته عند معنى الغربة أمام النيلوفر إلا وقفة عابرة. وعلى هذا فإذا قارنا قطعته هذه بقطعة أخرى له يصف فيها انيلوفر أدركنا قيمة الشعور الذاتي في إحياء الطبيعة لا في تمجيدها (١):
كأنما النيلوفر المجتنى ... وقد بدأ للعين فوق البنان
مداهن الياقوت محمرة ... قد ضمنت شعرا من الزعفران ولا نعد ابن حمديس من شعراء الطبيعة ولكنه كان شاعرا وصافا بالمعنى العام الذي يفهمه الناس في عصره، وأكثر وصفه قائم على طلب معنى مولد أو مجدد، ويأتي المنظر الطبيعي عنده تتمة لمجلس الشراب، كما في قوله (٢):
في حديق غرس الغيث به ... عبق الأرواح موشي البطاح
أرضع الغيم لبانا بأنه ... فتربت فيه قامات الملاح
كل غصن تعتري أعطافه ... رعدة النشوان من كأس اصطباح
فكأن الترب مسك أذفر ... وكأن الطل كافور رباح
وكأن الروض رشت زهره ... بمياه الورد أفواه الرياح وقيمة هذه الأبيات؟ بعد موسيقاها الجميلة - في أن كل بيت يمثل
(١) المصدر نفسه: ٧٧.
(٢) ديوان ابن حمديس: ٤٩٠.