ولم يضيع سينون وقتا، بل خرج يعدو إلى برج القلعة العالي، فلم يجد عنده من يحرسه؛ فقد شغل الحراس بولائم النصر التي عمت المدينة. وهناك أشعل النار عالية تبلغ الإغريق رسالته، ثم عاد منطلقا في خفة العصفور إلى حيث يقف الحصان الخشبي أمام المعبد، فأسر إلى القوم بضع كلمات، خرجوا على إثرها مسرعين، يهبطون السلم الذي أعده إيبوس لذلك.
هبطوا وكل منهم قد شحذ سلاحه، ودقات قلوبهم تتلاحق حذرا من المفاجآت، التي قد يكون القدر مخبئها لهم.
انطلقوا إلى أقرب البيوت منهم، يحرقونها ويقتلون أصحابها، ويثيرون الرعب والفزع في المدينة. أما الإغريق الباقون فقد عادوا مسرعين عندما بلغتهم رسالة النار المشتعلة، وولجوا المدينة من الفجوة التي دخل منها الحصان، ولم تصادفهم أية مقاومة؛ فقد اضطرب أمر المدينة، وسادها الرعب والفزع.
وهكذا سقطت طروادة التي أثملها زهو النصر، ونشوة الظفر.
وانطلق مينيلاوس، وأوديسيوس، في طريق يعرفانه حق المعرفة . انطلقا إلى بيت دايفوبوس، حيث كانت تعيش هيليني بعد موت باريس. وحينما اقتحموا المنزل كان دايفوبوس نائما، فاستيقظ على وقع أقدامهما، وأدرك ما يراد به وبهيليني من شر؛ فامتشق سيفه، وراح يقاتل بكل ما أوتي من قوة وشجاعة، لكن الضربات التي انهالت عليه من سيف مينيلاوس أردته قتيلا.
أما هيليني فقد أذهلتها المفاجأة، فطفقت تفر من وجه مينيلاوس يمينا وشمالا، وهي تصرخ صراخا عاليا، لكن لا منقذ لها ولا مغيث؛ فكل من في طروادة في شغل وهم يغنيه.
نظر إليها مينيلاوس والسيف في يده يقطر دما، وصدره يتقد غضبا عليها، وغيظا منها؛ ولكن ...
هناك لحظات قصار تتوقف عندها عجلة الزمان!
لقد رآها تقف هناك - كطائر مذعور - تحت الوهج الساطع من المدينة المشتعلة، يشتد وجيب قلبها، حتى ليكاد يسمع دقاته، فوقعت عيناه منها على الجمال الخالد في أكمل صوره، فعاوده حبه الجارف لها، ووجده لفراقها، وحنينه إليها؛ فلم يستطع لهذا الجمال الخالد مقاومة، ولا عليه امتناعا.
نسي ما جشمته من متاعب وأهوال، وانزاح ما كان يجثم على صدره من حقد ورغبة في الانتقام، وامتلأ بالتسامح والغفران. وفي غمرة هذه المشاعر الجياشة مد إليها يده، وأمسك يدها، وتراخت قبضة يده الأخرى عن سيفه، فسقط على الأرض؛ إيذانا بانتهاء عهد الصراع، وابتداء عهد الوئام والسلام.
ناپیژندل شوی مخ