عز على الربة أثينة أن تهدأ ساحة المعركة بين الطرواديين والإغريق، ورغبت في أن تثيرها فتنة شعواء بين الطرفين، وتذيع الفوضى والاضطراب في صفوف الطرواديين. فتنكرت في صورة لاودو كوس بن أنتينور، وعمدت إلى قواس مغمور، ووسوست له: «إنك إذا صوبت سهما من سهامك نحو مينيلاوس فأرديته قتيلا خلصت قومك من شرور الحرب، وسجلت اسمك في صحائف الخلود بمداد من النور، وسيمنحك باريس جائزة سنية.»
وأعمى خيال الشهرة قلب القواس المغمور، وغطت غشاوة المال على بصره؛ فانقاد لإغرائها، وراش سهمه، وشد وتر قوسه، وصوب في دقة وإحكام نحو مينيلاوس فأصابه في جنبه.
لقد كان حقا جرحا غير نافذ، ولم يقتل مينيلاوس، ولكن الدم انبثق أحمر قانيا، ما إن رآه أغاممنون حتى ثارت ثائرته، وجن جنونه، وأرسل صيحة مدوية: «لقد نقض الطرواديون الهدنة، وعاودتهم خسة نفوسهم، فرموا مينيلاوس بسهم. إن علينا أيها الإغريق أن نرد لهم الصاع صاعين، ونجعلهم يندمون أشد الندم على فعلتهم هذه المنكرة. هيا استعدوا للقتال!»
وتدفقت جحافل الجيش الإغريقي كالأمواج الهادرة نحو الشاطئ، تكاد نفوسهم تتميز من شدة الغيظ على هؤلاء الطرواديين الذين سمح لهم لؤم طباعهم أن ينكثوا العهد، وينقضوا الأيمان بعد توكيدها.
والتحم الجيشان في معركة ضارية، وصار لا يسمع غير صليل السيوف، وصوت الرياح، وأنين الجرحى. واستبدل سهل طروادة بلونه الطبيعي لونا آخر أحمر قانيا لكثرة ما سال فوق أرضه من دماء.
وراع الآلهة هذا الدم المسفوك الذي تشهده عيونها، وحز في نفوسها هذا الأنين الحزين الذي يتصاعد فيكاد يصم آذانها. فنصحت هكتور أن يطلب هدنة للمرة الثانية، ويتحدى واحدا من الإغريق لمنازلته. فلما استوى الجانبان فوق الأرض، صاح هكتور: «أيها الطرواديون، وأنتم أيها الإغريق، إنه لمما يثير غضب الآلهة منا، أننا لم نحترم الهدنة. والآن وجميع أمراء الإغريق موجودون بيننا، فإنني أطلب هدنة أخرى، وأتحدى أحدهم لمنازلتي.»
وخيم على الميدان سكون، فما تسمع فيه نأمة، ولا تنبس فيه شفة؛ فالإغريق يخشون عاقبة اللقاء بهذا المقاتل المتمرس وجها لوجه، ويودون من صميم قلوبهم لو عدل عن رأيه، ولكنه مصر على عرضه، راغب رغبة أكيدة في إنقاذه. وما للإغريق بد من إجابة تحديه، حتى لا يكسوهم العار أبد الدهر.
لقد هم مينيلاوس، على الرغم من جرحه، أن يقبل هذا التحدي، ولكن أغاممنون ثناه عن عزمه، ورده إلى صوابه. فانبرى أياس العظيم، وقبل تحدي هكتور.
وسرى في قلوب الطرواديين شيء غير قليل من الخوف، حين رأوا ضخامة جسمه، وجهامة وجهه، وما تقدحه عيناه من شرر. حتى هكتور راحت ضربات قلبه تتلاحق في سرعة رهيبة، لما ينذر به شكل أياس من شر مستطير. ولولا أن غلبه الخوف من سوء الأحدوثة، لبادر إلى الرجوع فيما قال.
وتقدم أياس العظيم، وهو يتوكأ على رمحه، وقال لهكتور: «أي هكتور، ستعلم الآن أن في جيش الإغريق مقاتلين شجعانا، ورماة ماهرين، على الرغم من غياب أخيليوس وتخليه عن القتال.» - «أي أياس، لا تحاول إرهابي، فلست طفلا غريرا لم يتمرس بفنون الحرب، أو امرأة لا خبرة عندها بغير فنون الجمال والحب. لطالما خضت المعارك، وأنت بذلك عليم، ولن أتردد لحظة في القضاء عليك متى ظفرت بك، فاحذر شري.»
ناپیژندل شوی مخ