شكل 6-1: نقش يصور حرق الأرامل (الساتي) من كتاب «صرخات الهند للإنسانية البريطانية» لصاحبه جيمس بيجز، الذي نشر عام 1832.
يعد رام موهان روي (1772-1833) أحد كهنة البرهمية الهندوس المعروفين للتبشيريين في سيرامبور والذين تأثروا بهم؛ فبفضل إتقانه للفارسية والعربية واليونانية واللاتينية والإنجليزية إلى جانب البنغالية والسنسكريتية، ومعرفته بالإسلام والمسيحية إلى جانب ديانته الهندوسية؛ كان أول هندي يعلق في مؤلفات مطبوعة بالإنجليزية على البريطانيين وديانتهم ووضعهم في السياق الهندي. وبوصفه مصلحا اجتماعيا، أثار غضب الهندوس المحافظين بكتاباته المناهضة للوثنية، وحرق الأرامل، وزواج الأطفال، والنظام الطائفي؛ والمؤيدة لتعليم النساء. وبوصفه هندوسيا يحمل أفكارا جديدة، حصل على مدح ونقد من المسيحيين؛ فمدح لقراءته العهد الجديد، وتقديره لتعاليم يسوع الأخلاقية، وتعاطفه مع الموحدين، لكنه انتقد لعدم موافقته على أن يسوع ابن الرب . لم يقتصر حماس روي الإصلاحي على القضايا الاجتماعية فحسب، وإنما في عام 1828، أسس جمعية تعرف باسم «براهمو ساماج» مع أصدقاء يحملون الفكر نفسه من أجل الترويج للتوحيد العقلاني والأخلاقي الذي آمن بأنه متأصل في «أوبانيشاد» و«براهما سوترا». وقد كانت صور الآلهة والإلهات وعبادتهم محظورة في مقر الجمعية. وبالنظر إلى تلك الجمعية وكتابات رام موهان روي العديدة، يمكن رؤية تأثير كل من الإسلام والمسيحية، وكذلك فكرة اللاثنائية «أدفايتا فيدانتا»، على فكره. ومن الأمور المدهشة أيضا بشأن هذا الرجل الأسلوب الذي نشر به أفكاره؛ فبوصفه هنديا معاصرا، استخدم كل الوسائل الحديثة التي أتيحت له؛ فطبع كتيبات، وأنشأ صحفا، وطالب بالحقوق المدنية. (3) الهندوسية في موقف الهجوم
استمرت النزعة الإصلاحية لجمعية براهمو ساماج، لا سيما من خلال الحملات التي قام بها رئيس لاحق لها يدعى كيشاب تشاندرا سين (1838-1884) الذي واصل العمل على قضايا المرأة من خلال المطالبة بزواج الأرامل. وقد طالبت شخصيات أخرى في القرن التاسع عشر بأمور مماثلة؛ فأكد داياناندا ساراسواتي (1824-1883)، الذي أسس حركة آريا ساماج عام 1875، على الشراكة الدينية الفيدية بين الرجال والنساء وأهمية تعليم النساء. ورجع هو وغيره إلى المناقشات العظيمة في «أوبانيشاد» التي شاركت فيها النساء.
سوتي أم ساتي؟
أدان البريطانيون والفرنسيون السوتي (أي حرق الأرامل)، بوصفه عملا غير إنساني. وأثارت روايات الرحالة انتباه أبناء جلدتهم في أوروبا إلى أهوال ذلك العمل؛ فنجد النقش الموضح في كتاب بيجز التبشيري يعرض اثنين من الملاحظين الأوروبيين يشيحان بنظرهما بعيدا عن المشهد وهنودا متوحشين يلوحون بالسيوف ويزيدون النار اشتعالا، بينما المرأة المحترقة تظهر في صورة ضحية سلبية تناشدهم لإنقاذ روحها.
لكن الساتي لم يفهم على هذا النحو من الهندوس الذين قبلوا به؛ فكلمة «ساتي» تعني، في الواقع، «امرأة صالحة»؛ أي زوجة مخلصة اختارت التغلب على الموت بأن تصبح إلهة أو «ساتي-ماتا». وعلى الرغم من أن حرق الأرامل لم يكن ممارسة واسعة الانتشار، فلا شك أنه تم بالفعل على نحو منتظم إلى حد ما في بعض المناطق في شمال الهند في القرن الثامن عشر؛ حيث اعتبر خيارا مناسبا للنساء من الطوائف العليا اللاتي يموت أزواجهن قبلهن. لكن على الرغم من دعم الكثير من الهندوس المحافظين لهذه الممارسة، ازدراها آخرون وأبرزهم رام موهان راي، الذي قام بحملات حثيثة لوقفها. أما البريطانيون، الذين خشوا من التدخل في الشئون الدينية الهندوسية، فكانوا حذرين، لكنهم في النهاية سنوا قانونا لحظر حرق الأرامل عام 1829.
بيد أنه ليس من السهل سن قوانين ضد المعتقدات والممارسات الشائعة، فاستمرت حالات إحراق الذات بين النساء، وفي عام 1987 في قرية ديورالا في راجستان، لقيت زوجة شابة تدعى روب كانوار مصرعها في محرقة جنازة زوجها، وصار الساتي مثارا للجدل مرة أخرى. دافعت أسرة روب وأهل القرية والعديد من الزعماء الهندوس عما حدث، فقالوا إنها فعلت ذلك بمحض إرادتها، لكن الكثير من النساء في الهند تساءل: «هل من امرأة تختار الموت بهذا الشكل؟» هل يمكن أن يكون ذلك خيار روب الحر فعلا؟ أم إن ثمة ضغوطا مورست عليها لتدخل إلى المحرقة؟ وزعم الهندوس المناصرون لمسألة حرق الأرامل أن من انتقدوا الحادث ليسوا سوى علمانيين تأثروا بالفكر الغربي؛ وأنكر الرافضون للساتي أنهم معادون للهندوس، مؤكدين على أنهم مستاءون فحسب من ممارسة مجحفة في حق النساء، وليس لها في الواقع أي حجة قوية مؤيدة لها في النصوص الهندوسية المقدسة.
لقد كان التركيز على ما كان يطلق عليه عادة «نهضة النساء» أحد جوانب توجه المستشرقين والمصلحين الهندوس لإحياء الماضي الآري. فانتهى الجدل، مثلما رأينا في الفصل الأول، إلى قبول فكرة أن ثمة حضارة عظيمة قديمة اندثرت تدريجيا على مر القرون بفعل الممارسات الدينية والتقاليد الاجتماعية الشائعة، مثل «الخرافات» و«عبادة الأوثان» و«تعدد الآلهة» و«النظام الاجتماعي الطائفي». وصار ذلك الجدل محور القضية القومية الهندوسية، وتكرر كثيرا، ليس فقط على يد حركة آريا ساماج، وإنما أيضا من جانب مؤسسي الحملات والحركات اللاحقين (وفي ذلك الحملات والحركات الناشطة حاليا). لكنه تعرض للنقد من جانب من شككوا في الدقة التاريخية للزعم بوجود عصر آري ذهبي، ورفضوا الشقاق الناجم عن تفضيل الآريين على كل الجماعات الدينية الأخرى.
لقد طغى تأثير الثقافة الغربية والقيم المسيحية على الكثير من المبادرات الهندوسية الحديثة في القرن التاسع عشر بنحو أو بآخر. وبما أن الزعماء الهندوس لم يؤيدوا تلك القيم تأييدا إيجابيا، فقد كان لهم رد فعل مناهض لها؛ على سبيل المثال، أعادت حركة آريا ساماج الهندوس الذين ينتمون للطوائف الدنيا، الذين اعتنقوا المسيحية، إلى الهندوسية. وقام الكثير من الجماعات الجديدة بمحاكاة ممارسات المجتمعات البريطانية وهياكلها التنظيمية والإدارية، واستخدمت الكلمة المطبوعة مثل رام موهان روي كوسيلة لنشر أفكارها.
شكل 6-2: بصمات أيدي الساتي: نصب تذكاري للسيدات اللاتي حرقن حيات في محارق أزواجهن الجنائزية.
ناپیژندل شوی مخ