هند تر غاندي وروسته
الهند ما بعد غاندي: تاريخ أكبر ديمقراطية في العالم
ژانرونه
20
كان ثمة عشرة ملايين لاجئ مرتحل؛ على الأقدام وعلى عربات تجرها الثيران وبالقطار، وسافروا أحيانا تحت حراسة الجيش، وأحيانا أخرى واضعين ثقتهم في القدر وفي أربابهم. وقد حلق جواهر لال نهرو فوق قافلة لاجئين تضمنت 100 ألف شخص وامتدت مسافة عشرة أميال. كانت القافلة مسافرة من جالاندر إلى لاهور، وكان عليها أن تجتاز أمريتسار؛ حيث كان ثمة 70 ألف لاجئ من البنجاب الغربية «في حالة هياج»، فاقترح نهرو شق طريق بالجرافات حول المدينة حتى لا يلتقي الجانبان.
21
كان تلك بلا شك أكبر عملية نزوح جماعي حدثت في التاريخ. «لم يحدث على مر التاريخ المعروف أن نقلت تلك الملايين كلها في غضون بضعة أيام قليلة هكذا.» فقد كتب أحد شهود العيان أنهم فروا:
في القيظ والمطر والفيضان وبرد البنجاب القارص. وقد امتدت سحب الغبار المتخلفة عن القوافل على ارتفاع منخفض عبر السهول الهندية، وامتزجت برائحة الخوف والعرق، والفضلات البشرية، والجثث المتعفنة. وعندما انقشعت سحابة الكراهية، نوديت أسماء الموتى وترددت أصداء خمسمائة ألف اسم في أرجاء الأراضي المذهولة؛ فمنهم من قتل متأثرا بجراح ناتجة عن طلقات نارية، أو طعنات سيف أو خنجر أو سكين، وآخرون ماتوا من جراء الأمراض الوبائية. وبينما لقي العدد الأكبر حتفهم من جراء العنف، فقد كان ثمة أرواح رقيقة منهكة تطلعت إلى حدائقها المنهوبة ثم وقعت على الأرض وفارقت الحياة؛ فما جدوى الحياة عندما يتوقف العقل ويجمح الرجال؟ لماذا تنتزع طفلك من على وتد أو تجذب حبيبك من بئر عكر؟
22
وقد تفاقمت الأزمة في المقاطعة بسبب الانحياز الحزبي الملحوظ لدى السير فرانسيس مودي، حاكم البنجاب الغربية؛ فقد كان «متصلبا في معاداته لحزب المؤتمر الوطني». ظن مودي أنه «قادر على الحكم بشخصه، فأحبط مساعي وزرائه، لا سيما فيما يتعلق برأب الصدع بين البنجاب الغربية والبنجاب الشرقية، ومن ثم بين باكستان والهند». والمؤسف أنه لم يكن ثمة سياسي باكستاني على استعداد للتصدي للتعصب الديني؛ فأيا كان ما ظنوه في قرارة أنفسهم، فقد كانوا متحرجين من التحدث علنا. أما عن الحاكم العام الجديد لباكستان - محمد علي جناح - فقد كان مقره مدينة كراتشي الساحلية (عاصمة البلاد)، ولم «يزر لاهور إلا من وراء ستار وتحت حراسة مشددة». كان في ذلك الوجل تناقض صارخ مع دفاع السياسيين الهنديين البارزين الباسل عن الأقليات لديهما. وقد كتب مراقب بريطاني فعلا أن «أسهم نهرو وغاندي ارتفعت إلى حد غير مسبوق لدى المسلمين في البنجاب الغربية».
23
وفي ذلك الوقت، اشتعل الوضع في البنغال مجددا. وردت تقارير عن أحداث شغب جديدة في نواخالي. وفي كلكتا ذاتها خرق السلام في منطقة بيليجاتا التي استقر فيها غاندي؛ فهناك اعتدى مسلمون على شاب هندوسي يوم 31 أغسطس. تبع ذلك عنف انتقامي وانتشر. وبحلول الغروب في 1 سبتمبر كان ثمة ما يربو عن خمسين قتيلا. تلك الليلة قرر غاندي الصيام، فسأله أحد أصدقائه: «ولكن كيف يمكنك أن تصوم في مواجهة عصابات إجرامية؟» فجاء رد غاندي - حسب شاهد عيان - كالآتي: «أعلم أني سأتمكن من التعامل مع مشكلة البنجاب أيضا إذا تمكنت من وضع أزمة كلكتا تحت السيطرة، ولكنني إذا فقدت همتي الآن قد تنتشر الفتنة كالنار في الهشيم. أستطيع أن أرى بوضوح قوتين أجنبيتين أو ثلاثا ستأتي إلينا، مما سيقضي على حلم الاستقلال الوليد.» فرد عليه صديقه قائلا: «ولكن إن مت، فسيزداد الحريق اشتعالا.» قال له غاندي: «على الأقل لن أكون حاضرا لأشهده. وسأكون قد قمت بواجبي.»
24
ناپیژندل شوی مخ