هند تر غاندي وروسته
الهند ما بعد غاندي: تاريخ أكبر ديمقراطية في العالم
ژانرونه
18
ظلت الأمطار عصية، وبلغت الحرارة 100 درجة (فهرنهايت) في الظل. كان في ذلك مشقة على المسلمين بصفة خاصة - الجنود منهم والمدنيين - إذ صاموا من الفجر إلى الغروب في شهر رمضان، الذي امتد ذلك العام ما بين 19 يوليو و16 أغسطس. وقد سأل ريس سائقه المسلم عن سبب شح الأمطار؛ فأجابه: «الله أيضا غير راض عنا.»
أعلن قرار التقسيم أخيرا يوم 16 أغسطس، فأثار سخط المسلمين الذين كانوا يرون أن منطقة جورداسبور كان ينبغي أن تخصص لباكستان لا الهند، وكان السيخ أكثر غضبا منهم؛ إذ صارت مدينة نانكانا صاحب المحببة إليهم معزولة في دولة إسلامية. تصاعدت وتيرة الأعمال الوحشية على جانبي الحدود؛ ففي البنجاب الشرقية راحت عصابات مسلحة من السيخ تطوف أنحاء الريف وتفتش عن المسلمين وتذبحهم أينما وجدتهم؛ ففر من استطاع منهم عبر الحدود إلى البنجاب الغربية، حتى يضيفوا إلى حلقة القصاص والانتقام. تدفق المسلمون من أمريتسار وما حولها إلى الملاذ الآمن (بالنسبة إليهم) المتمثل في لاهور. وإن «قصص هؤلاء اللاجئين - النازعة إلى التعظيم والتهويل في المبالغة - تستند بالفعل إلى حقائق قاسية، ولديهم قدر وافر من الأطراف المبتورة وما إلى ذلك التي يمكنهم عرضها - ويعرضونها بالفعل - على إخوانهم المسلمين في لاهور وغربها».
طبقا للأرقام التي ذكرها ريس نفسه، فإن أعداد ضحايا أحداث البنجاب من المدنيين من مارس إلى نهاية يوليو تقدر بنحو 4500 قتيل ، و2500 مصاب. لكن في شهر أغسطس وحده، بلغ عدد القتلى حسب التقارير الرسمية للقوات 15 ألف قتيل، وأقر ريس بأن الرقم الفعلي «كان - على الأرجح - ضعف هذا الرقم أو ثلاثة أمثاله».
وقد انتاب رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو قلق بالغ إزاء أحداث الشغب التي كانت تمر بها البنجاب وتبعاتها على نطاق أوسع؛ ففي آخر أسبوعين من شهر أغسطس، زار المقاطعة ثلاث مرات؛ حيث تحدث إلى أشخاص على الجانبين وقام برحلات جوية فوقها لاستطلاع الأمور. لم يظن نهرو أنه كان «ثمة خيار بين وحشية جانب أو آخر، فكلاهما عديم الإنسانية وهمجي بدرجة لا تصدق».
19
وكان التعبير الذي استخدمه ريس نفسه لوصف تلك الوحشية هو أنها «ترجع إلى ما قبل العصور الوسطى». والحقيقة أنها كانت تليق بالعصور الوسطى والعصور الحديثة أيضا؛ فالأسلحة التي استخدمها المشاغبون «تنوعت من الفأس والرمح والهراوة إلى أحدث البنادق الرشاشة والمدافع الآلية الخفيفة».
ويوم 2 سبتمبر، حلت قوة الحدود البنجابية. لم تكن فعالة للغاية على أي حال. فقد كانت مشكلة ازدواجية السلطة تعيق عملها؛ إذ كان عليها أن ترفع تقاريرها لمسئولين مدنيين في ظل القانون العسكري. ومع رحيل قوة الحدود البنجابية، عهد إلى حكومتي الهند وباكستان بمسئولية الحفاظ على القانون والنظام. استمر الشغب، وكذلك استمر النزوح على الجانبين، فكانت البنجاب الغربية تطهر من الهندوس والسيخ، وتخلى البنجاب الشرقية من المسلمين. وقد وصف مراسل صحيفة «سواتنترا» - صحيفة أسبوعية مرموقة مقرها مدراس - في البنجاب التعادل القاسي للعنف؛ فكتب أنه رأى:
قطارا خاليا خاصا للاجئين يدخل محطة فيروزبور متأخرا عصر يوم. كان السائق قد طار صوابه هلعا؛ إذ كان الحارس مسجى على الأرض قتيلا في عربته، بينما كان الوقاد مفقودا. سرت على طول رصيف القطار، ووجدت عربات القطار كلها عدا عربتين ملطخة بالدماء بأكملها، وكان ثمة ثلاث جثث راقدة وسط برك من الدماء في إحدى عربات الدرجة الثالثة؛ فقد أوقفت مجموعة من المسلمين المسلحين القطار بين لاهور وفيروزبور وقامت بتلك المجزرة المكتملة الأركان في وضح النهار.
وثمة مشهد آخر من المستبعد أن أنساه بسهولة: قافلة من اللاجئين المسلمين طولها خمسة أميال تعبر جسر سوتليج ببطء بالغ لتصل إلى باكستان. كان فيها عربات تجرها الثيران مكدسة بمنقولات مثيرة للشفقة، وسيقت المواشي إلى جوارها. وسارت النساء يحملن أطفالهن الرضع بين أذرعهن وصناديق صفيح صغيرة تعسة على رءوسهن؛ فقد ارتحل عشرون ألف رجل وامرأة وطفل إلى أرض الميعاد، ليس لأنها أرض الميعاد، وإنما لأن عصابات الهندوس والسيخ في ولاية فريدكوت ومن داخل منطقة فيروزبور قطعوا مئات المسلمين إربا، وأحالوا حياة الباقين جحيما.
ناپیژندل شوی مخ