هند تر غاندي وروسته
الهند ما بعد غاندي: تاريخ أكبر ديمقراطية في العالم
ژانرونه
وقبل أسبوعين على اليوم المحدد للاستقلال، غادر المهاتما دلهي. قضى أربعة أيام في كشمير ثم استقل القطار إلى كلكتا؛ حيث لم تكن نيران الشغب قد خبت بعد مرور عام على اشتعالها. وعصر يوم 13 أغسطس، استقر في منطقة بيليجاتا ذات الأغلبية المسلمة، في «بناية آيلة للسقوط مفتوحة من كل جانب للجماهير»؛ ليرى إن كان «بإمكانه المساهمة في رد مدينة كلكتا الرئيسية إلى صوابها».
وما كان على غاندي إلا أن يصوم ويصلي يوم 15 أغسطس. بحلول العصر، بلغته أنباء (نقلا عن إحدى الصحف) عن «مظاهر أخوة وبهجة تكاد تكون لا تصدق» في بعض أكثر المناطق تضررا بكلكتا؛ «فبينما شرع الهندوس في نصب أقواس النصر على مداخل الشوارع والحارات، وفي تزيينها بالخوص واللافتات والأعلام والرايات، لم يتوان أصحاب المحال والبيوت من المسلمين عن تزيين محلاتهم ومنازلهم بأعلام دومنيون الهند». وطاف الهندوس والمسلمون الشوارع في سيارات وشاحنات مفتوحة هاتفين بالشعار الوطني «تحيا الهند» الذي «استجابت له بسرعة وببهجة حشود كبيرة متآلفة اكتظت بها الشوارع من الطائفتين».
10
ويبدو أن التقارير الواردة عن ذلك التآلف العفوي قد رفعت معنويات غاندي بعض الشيء، فقرر أن يلقي بيانا ذاك اليوم، لا عبر إذاعة بي بي سي، وإنما عبر وسيلة الاتصال الأثيرة لديه، وهي: مجلس الصلاة. حضر حشد - يبلغ عدده 10 آلاف شخص، وفقا لأحد التقارير، و30 ألف شخص، وفقا لتقرير آخر - ليستمع إلى حديثه في ساحة راش باجان ميدان في بيليجاتا. قال غاندي إنه يأمل أن تكون مظاهر الأخوة بين الهندوس والمسلمين ذلك اليوم «نابعة من القلب وليست وليدة اللحظة»؛ فكلا الطائفتين تجرعتا «سم القلاقل». والآن وقد تصالحتا، قد يبدو مذاق «رحيق الود» أكثر حلاوة، ومن يدري، لعل ذلك يسفر عن أن كلكتا «تتحرر إلى الأبد من أي أثر لفيروس الطائفية!»
كان السلام الذي عم كلكتا يوم 15 أغسطس مبعث راحة، وكذلك دهشة؛ فقد ساد المدينة جو من التوتر في الأسابيع السابقة على الاستقلال. وفقا لحكم التقسيم، قسمت البنغال، وصار الجناح الشرقي تابعا لباكستان بينما بقي القسم الغربي في الهند. وبطبيعة الحال أصبحت كلكتا - المدينة الأولى في تلك المقاطعة - موضع خلاف؛ فقد اختارت لجنة الحدود منحها للهند؛ مما أشعل مخاوف من نشوب العنف ليلة الاستقلال.
وعلى الناحية المقابلة من شبه القارة الهندية، ثارت المتاعب في عاصمة البنجاب، لاهور. وعلى غرار كلكتا، كانت تلك المدينة متعددة الأديان والثقافات، وكان بها العديد من المباني البديعة، أروعها مسجد بادشاهي، الذي بناه أورنجزيب؛ آخر أباطرة المغول العظام، ولكن لاهور كانت أيضا عاصمة إمبراطورية سيخية يوما ما، وصارت بعدها مركز حركة إصلاح هندوسية تدعى أريا ساماج. وفي ذلك الحين - كسائر المدن في مقاطعة البنجاب - بات مصيرها في أيدي البريطانيين، الذين كانوا سيقسمون المقاطعة، فأعلن عن تقسيم البنغال قبل يوم 15، ولكن الإعلان عن قرار تقسيم البنجاب كان قد تأجل إلى ما بعد ذلك التاريخ، فهل تمنح لاهور والمناطق المجاورة لها للهند أم باكستان؟
بدا الخيار الثاني أرجح، وكذلك أكثر منطقية؛ إذ كان المسلمون أكبر طائفة في تلك المدينة. وبالفعل كان حاكم جديد قد عين لمقاطعة البنجاب الغربية الباكستانية الجديدة، وانتقل إلى مقر الحكومة في لاهور. ومساء يوم 15 أغسطس، أقام حفلا بمناسبة شغله ذلك المنصب. فيما بعد قال مسترجعا ذكريات ذلك الحفل:
لا شك أن ذاك كان أسوأ حفل أقيم على الإطلاق ... فقد انقطع التيار الكهربائي ولم يكن ثمة مراوح ولا أضواء، وكان مصدر الضوء الوحيد المتاح لنا هو ألسنة اللهب المتصاعدة من مدينة لاهور المشتعلة على بعد قرابة نصف ميل، وكان صوت الطلقات النارية يدوي في كل مكان حول الحديقة. ليس طلقات منفردة، وإنما وابل من الرصاص؛ فلم يدر أحد من يطلق النار على من، ولم يبال أحد بالسؤال.
11 «لم يبال أحد بالسؤال.» ربما لم يبال أحد في حفل الحاكم، إلا أن المهاتما غاندي في بيليجاتا أعرب عن قلقه إزاء «استمرار ذلك الجنون في لاهور»؛ فمتى وكيف كان له أن ينتهي؟ ربما كان يمكن للمرء أن يأمل أن «يؤثر نموذج كلكتا النبيل - إن كان حقيقيا - على البنجاب وسائر بقاع الهند».
3
ناپیژندل شوی مخ