هند تر غاندي وروسته
الهند ما بعد غاندي: تاريخ أكبر ديمقراطية في العالم
ژانرونه
كتب المنظر السياسي سونيل خلناني يقول: «يمكن النظر إلى الفترة التالية على عام 1947 في تاريخ الهند على أنها مغامرة فكرة سياسية، وهي: الديمقراطية.» طبقا لتلك الرؤية، تبدو الهند المستقلة «ثالث حدث في إطار التجربة الديمقراطية العظيمة التي أطلقتها الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر». وكل من تلك التجارب «أخرج طاقات هائلة، ورفع التوقعات حتى بلغت الآفاق، وتعرض لإحباطات مأساوية». وأضاف خلناني أنه في حين أن تجربة الهند هي الأحدث، «فقد يتضح أن النتيجة التي أسفرت عنها هي أهم من نتيجة التجربتين الأخريين. ويعزى ذلك جزئيا إلى نطاقها البشري الهائل، وجزئيا إلى موقعها الذي يمثل منفذا مهما لينبوع الحرية الفائر في قارة آسيا».
12
بصفتي هنديا، أود تخيل أن تجربة الديمقراطية في الهند ستصير «أهم» من التجارب الشبيهة بها في الغرب، وبصفتي مؤرخا، لا أعرف سوى أنها أقل التجارب حظا في الدراسة؛ فقد صدرت مئات - وربما آلاف - الكتب عن الثورتين الفرنسية والأمريكية. ونشرت سير زعمائها المشهورين والمغمورين، ودراسات عن الخلفية الاجتماعية للمشاركين في الثورتين ، وتقييم لتطورها أو انحسارها على مدى العقود والقرون التالية. وفي المقابل، يمكن عد الأعمال الصادرة عن مؤرخين بشأن أي وجه من أوجه الديمقراطية الهندية على أصابع اليد الواحدة، أو - بقدر أكبر من سعة الأفق - على أصابع اليدين.
وقد كتب الخبير التربوي كريشنا كومار يقول: «بالنسبة إلى الأطفال الهنود التاريخ نفسه ينتهي بالتقسيم والاستقلال؛ فالتاريخ - باعتباره أحد مكونات الدراسات الاجتماعية، وفيما بعد باعتباره مادة قائمة بذاتها - يفرغ من مضمونه عام 1947 ... وكل ما حدث خلال الأعوام الخمسة والخمسين الأخيرة يمكن أن يمر عليه منهج مادة التربية المدنية البائس والأعمال السينمائية والتليفزيونية مرور الكرام؛ فالتاريخ الذي يتمثل في المعرفة بالماضي المتكونة بالسبل الرسمية لا يغطي تلك الفترة.»
13
إذا كان التاريخ ينتهي بالتقسيم والاستقلال بالنسبة إلى الأطفال الهنود؛ فذلك لأن الهنود البالغين فرضوا ذلك. في المجال الأكاديمي، تتناول مادة التاريخ الماضي، بينما تتناول مادة علم السياسة ومادة علم الاجتماع الحاضر. ذلك تقسيم تقليدي ومنطقي من عدة أوجه. تكمن الصعوبة في أن المجال الأكاديمي «الهندي» يتحدد الماضي فيه بتاريخ واحد يستحيل تغييره؛ وهو: 15 أغسطس 1947، ومن ثم فعندما دقت الساعة معلنة منتصف الليل ونالت الهند استقلالها، انتهى حيز التاريخ، وبدأ حيز علم السياسة وعلم الاجتماع.
وفي العقود التالية على عام 1947، مضى الحاضر قدما، فدرس علماء السياسة الانتخابات العامة الأولى التي أجريت عام 1952، والانتخابات التالية التي أجريت بعد خمسة أعوام، ووصف مختصو الأنثروبولوجيا الاجتماعية القرى الهندية في الخمسينيات من القرن العشرين، ومرة أخرى في الستينيات، إلا أن الماضي ظل ثابتا؛ فإثر الطبع والتطبع، قصر المؤرخون عملهم على الفترة السابقة على الاستقلال، فنمت أدبيات كثيرة - ولا تزال تنمو - معنية بالتبعات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للاستعمار البريطاني، ونمت أدبيات أكثر - هي الأخرى لا تزال تنمو - معنية بأشكال معارضة الحكم الاستعماري ووظائفها ومسبباتها وتبعاتها. كان قائد تلك المعارضة هو المصلح الاجتماعي والزعيم الروحاني والملهم والمحرض السياسي موهانداس كرمشاند غاندي.
كان غاندي - ولا يزال - محل إعجاب شديد لدى البعض، ومحل كراهية عميقة لدى البعض الآخر، ويسري القول ذاته على الصرح الهائل الذي عارضه؛ الراج البريطاني. رحل البريطانيون أخيرا عن الهند في أغسطس 1947، واغتيل غاندي على يد أحد الهنود بعد خمسة شهور ونصف لا أكثر. كان لوفاة أشهر معارضي الراج البريطاني بتلك السرعة عقب الاستقلال أثر حاسم على عملية كتابة التاريخ؛ إذ لا يمكن للمرء أن يعرف ما إذا كان المؤرخون - لو كان غاندي ظل على قيد الحياة فترة أطول بكثير - سيبدون اهتماما أكبر بتاريخ الهند الحرة. ما حدث أنه كان بمقتضى العادة والعرف المتعارف عليهما يعتبر تاريخ الهند «منتهيا» يوم 15 أغسطس عام 1947، وإن كان يسمح لمدوني سيرة المهاتما غاندي بمد ذلك التاريخ ستة أشهر. ومن ثم ألفت كتب كثيرة جيدة ومثيرة للجدل عن السنوات الأخيرة العصيبة المشحونة بالصراع للهند البريطانية، فتلك المؤسسة المهيبة - الراج البريطاني - وذلك الشخص العظيم - المهاتما غاندي - لا يزالان يمثلان مصدر اهتمام آسر للمؤرخين، إلا أن تاريخ الهند «المستقلة» ظل أرضا بورا إلى حد بعيد؛ فإذا كان التاريخ هو «المعرفة بالماضي المتكونة بالسبل الرسمية»، فلا وجود لتلك المعرفة عمليا منذ عام 1947.
إلا أنه - كما يظهر في هذا الكتاب - كانت سنوات الحرية الأولى مصدر اهتمام أخاذ تماما مثلما كانت السنوات الأخيرة من الحكم البريطاني؛ فقد سلم البريطانيون مقاليد السلطة رسميا، ولكن كان لا بد من إعادة تكوين تلك السلطة؛ فالتقسيم لم يضع حدا لصراع الهندوس والمسلمين، ولا أنهى الاستقلال التوترات القائمة بين الطبقات والطوائف الاجتماعية. وكانت أجزاء كبيرة على الخريطة ما زالت تحت سيطرة أمراء الولايات الهنود؛ فكان لا بد من ضمها تحت مظلة الاتحاد الهندي طوعا أو كرها. ومن حطام الإمبراطورية الزائلة نشأت دولة جديدة وترعرعت.
وقد كتب توني جوت عن تدوينه في الآونة الأخيرة لتاريخ أوروبا ما بعد الحرب يقول: «هذا النوع من الكتب يقوم - في المقام الأول - على أكتاف الكتب الأخرى.» وأشار إلى أنه «في فترة الستين عاما القصيرة من تاريخ أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية - في تلك الفترة دون غيرها - ثمة مخزون لا ينضب من الأدبيات الثانوية المكتوبة باللغة الإنجليزية».
ناپیژندل شوی مخ