عن ابن عباس ﵁ قال: كان داود نبي الله وخليفته في أرضه يحب الخيل حبًا شديدًا، فلم يكن يسمع بفرس يُذكَر بعِتْقٍ أو حسن أو جرْى إلا بعث نحوه، حتى جمع ألف فرس، لم يكن يومئذ في الأرض غيرها، فلما قبض الله داود، وورثه سليمان وجلس في مقعد أبيه قال: ما ورثنَّي داود مالًا أحب إلى من هذه الخيل، فأضْمَرَها وصنَعها ودعا بها ذات يوم، فقال: اعرضوها عليَّ حتى أعرفها بشياتها وأسمائها وأنسابها، قال: فأخذ في عرضها حتى صلى الظهر، فمر به وقت العصر وهو يعرضها، ليس فيها إلا سابق رائع، فشغلته عن الصلاة، حتى غابت الشمس وتوارت بالحجاب، ثم أنتبه فذكر الصلاة، فاستغفر الله تعالى وقال: لا خير في مال شَغَل عن ذكر الله وعن الصلاة! رُدُّوها عليَّ! وقد عُرض منها تسعمائة وبقيت مائة، فردوا التسعمائة، فطفق يضرب سُوقها وأعناقها أسفًا على ما فاته من وقت العصر. وبقيت مائة فرس لم تكن عُرضت عليه؛ فقال: هذه المائة أحبُّ إليَّ من التسعمائة التي فتنتني عن صلاتي؛ فأمسكها، قال الله تعالى: ووهبنا لداودَ سليمانَ نِعْمَ العبد إنه أوَّاب، إذا عُرض عليه بالعشيَّ الصافناتُ الجياد، فقال: إني أحببت حُبَّ الخير عن ذِكر حتى توارت بالحجاب، رُدُّوها عليَّ، فطفق مَسْحًا بالسوق والأعناق (. والمائة التي لم تشغله عن ذكر الله تركَها، فلم يزل معجبا بها حتى قُبض. فالخيل إلى هذه الغاية من نسل تلك المائة الباقية.
وقال ابن الكلبي: يقال إنه اخرج الله تعالى إليه مائة فرس من البحر لها أجنحة، وكان يقال لتلك الخيل الخير؛ فكان سليمان ﵇ يراهن بينها ويجُريها؛ ولم يكن شيء أعجب إليه منها.
وروى أن ابن عباس ﵁ قال: أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل أن قومًا من الأزْد من أهل عُمَان، قدموا على سليمان ابن داود ﵇ بعد تزويجه بلقيس ملكة سبأ، فسألوه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، حتى قضوا من ذلك ما أرادوا، وهموا بالانصراف؛ فقالوا: يا نبي الله! إن بلدنا شاسع، وقد أنْفَضْنا من الزاد، فَمُرْ لنا بزاد يبلغنا إلى بلدنا، فدفع إليهم سليمان فرسًا من خيل داود، وقال: هذا زادكم! فإذا نزلتم فاحملوا عليه رجلًا، وأعطوه مِطْرَدًا، واحتطبوا وأورُوا ناركم، فإنكم لن تجمعوا حطبكم وتُوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد. فجعل القوم لا ينزلون منزلا إلا حملوا على فرسهم رجلًا بيده مطرد، واحتطبوا وأوْرَوْا نارهم؛ فلا يلبثون إلا قليلًا حتى يأتيهم صاحبهم بصيد من الظباء والحُمر والأرْوَى، فيأتيهم بما يكفيهم وفضلًا عن ذلك، فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلا) زاد الراكب (؛ فكان ذلك أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل. فأصل فحول العرب من نتاجه. وزعم آخرون أن سليمان بن داود ﵇ لما كان يمسح أعناقها وسُوقها طار منها ثلاثة أفراس عند قتله إباها؛ فوقع فرس في ربيعة، وفرس في خُشَيْن، وفرس في بهراء، فحملوهم على خيولهم وكانت هُجْنًا، فلما نُتِجَتْ تلك الأفراس طارت فرجعت إلى البحر، وتناتجت الخيل بعضها من بعض.
وروى الواقدي أن أول من ركب الخيل إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. قال: وإنما كانت الخيل وحشًا لا تطاق أن تُركب، حتى سُخَّرت لإسماعيل، فكان أول من رَسَنها وركبها ونتجها. عن ابن عباس ﵁ قال: كانت الخيل وحشًا كسائر الوحوش، فلما أذن الله ﷿ لإبراهيم وإسماعيل ﵉ برفع القواعد من البيت قال الله تعالى: إني معطيكما كنزًا ادخرته لكما، ثم أوحى الله تعالى إلى إسماعيل أن أخرج فادْعُ بذلك، فخرج إسماعيل إلى أجياد، وكان موضعًا قريبًا منه، وما يدري ما الدعاء ولا الكنز، فألهمه الله ﷿ الدعاء، فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا أجابته فأمكنته من نواصيها، وذللها الله له. قال ابن عباس: فاركبوها واعتقِدوها فإنها ميامين، وإنها ميراث أبيكم إسماعيل.
فصل
في وجوه اتخاذها:
1 / 3