الشرعية، وحينما حضر النائب الموظف من الدار العلية، جعله باش كاتب في المحكمة المرقومة واستمر بهذه المأمورية، وكان مع ذلك مشتغلًا بنشر العلوم ونثر لآلىء الآداب، متمسكًا للقيام بواجبها بأعظم الأسباب، وفي سنة ألف ومائتين وتسع وثمانين زار القطر المصري واجتمع بعلمائه الأعلام وأمرائه وأعيانه الفخام، وكان ﵀ إمامًا في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، رفع الله مقامه وأسكنه أعلى فراديس الجنان، وكانت محاكم جبل لبنان تعتمد على فتاويه وقوله، لما عرفته من تدقيقه وصحة نقله، فكان لدى عروض المشكلات مرجعًا، وكل عويصات المسائل مقصدًا ومطمعًا، وكان قليل الكلام بما لا يفيد، وبحرًا زاخرًا لكل مستميح مستزيد، مع طبع هني وأخلاق مرضية، وفكر صائب وأوصاف علية، وذهن متوقد وحاضرة جيدة، فكان ينظم ما ينوف عن سبعين بيتًا بجلسة واحدة بدون تكلف ولا طول مدة، وكثيرًا ما تكون المبيضة عين المسودة، وبالإجمال إنه كان ﵀ فردًا فريدًا، وكاتبًا بليغًا وشاعرًا مجيدًا، وقد تولى رياسة جريدة ثمرات الفنون، ثم أقام على تصحيحها المصون، وله فيها المقالات الأدبية، والفصول الحكمية والطرائف العربية، والنصائح العالية، والمواعظ السامية التي لو جمعت لبلغت عدة أسفار، واشتهر قدرها وطار، وعند تشكيل ولاية بيروت انتخب عضوًا في مجلس معارفها، فزاد قدرها به لدى ناعتها وواصفها، وقد نسخ بخطه كتبًا كثيرة، وألف مؤلفات عديدة شهيرة، ونال من الرتب العلمية، من ابتداء خارج يحسب الطريق إلى رتبة مدرس السليمانية، وهي من رتب كبار المدرسين، وفي سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين، نال النيشان المجيدي من الرتبة الرابعة، وتفرس الناس فيه الأهلية للمراتب الجامعة، وفي سنة تسع وثمانين
1 / 48