ومن المسائل الجديرة بالنظر ذكر المؤلف لإله واحد غير متعدد «مع العلم بتعدد آلهة المصريين»، ووصفه ذلك الإله الفرد بأنه «يعاقب المذنب، ويثيب المحسن، ويعطي السائل، وينظم الكون، ويحب مخلوقاته، ويراقب أعمالهم حسنها وسيئها، ويكلؤهم بعين لا تأخذها سنة ولا نوم»،
2
ويرى القارئ أن هذه الصفات أسمى ما يوصف به الخالق - سبحانه وتعالى - ولو كان الواصف من أساتذة اللاهوت في النصرانية أو علماء الكلام في الإسلام، فهل كان فتاحوتب موحدا كآبائه الكهنة،
3
وكان يريد بتوحيد الله في كتابه الإقرار والاعتراف بالوحدانية من طرف خفي؟ ولسنا نخوض عباب هذا البحث لأنه يدخل في باب الحكم على الغائب بالغيب، وهذا الحكم لا يصدق إلا مصادفة، وليس للمصادفات مجال في ميدان الحقائق؛ إنما نجيب على هذا السؤال بما يظهر لنا، ويجوز موافقته للحقيقة مع خروجه عن حد الفرض المستحيل؛ فنقول: ربما رغب الحكيم أن يكون لحكمه تأثير نافع في انتشار كتابه في سائر المدن والأقاليم، فرمز لله بأنه الفرد القادر على كل شيء؛ ذلك لأن أهل كل مدينة مصرية قديمة كان لها إله خاص بهم ؛ كآمون بطيبة، وفتاح بمنف، وغيرها من الأرباب، فلو أنه ذكر واحدا من تلك الآلهة المتعددة لكان نصيب كتابه من التأثير قاصرا على أهل بلد دون غيره؛ لذا ذكر المؤلف لفظ الجلالة مطلقا غير مقيد بزمان أو مكان أو اسم معروف، فكان أبناء كل بلد يقرءون الحكم، ويقفون على ذكر الله المطلق فيحسبون أن المقصود هو ربهم. وقد انطلت تلك الحيلة الدقيقة على قدماء المصريين؛
4
فكانوا إذا رأوا ذكر الله الغفور المحسن المعطي توجه كل بقلبه ولبه إلى معبوده وربه. وها نحن أولاء نكتفي الأثري المصري الوحيد أحمد كمال بك، في محاضرة ألقاها بنادي المدارس العليا في خريف 1907، عن التوحيد عند قدماء المصريين، قال:
قال تعالى:
قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد . هذه هي صيغة التوحيد عند المسلمين، وهي موافقة تقريبا للصيغة التي كان يدين بها المصريون قبل عصر الملوك، ويدلنا على ذلك رسوم هيروغليفية وجدت في أوراق البردي القديمة. وهنا ترجم الخطيب صورة لهذه الصيغة رسمها على لوحة الطباشير بما يأتي:
الله وحده لا ثاني له، يودع الأرواح في الأشباح، أنت الخالق، تخلق ولا تخلق، خالق السماوات والأرض.
ناپیژندل شوی مخ