كما يجدر الاهتمام بجهود المدرسة الشرقية ورائدها المستشرق تيودور بنفي، ومن تعاقبوا بعده من الدارسين الفنلنديين الذين أرسوا ملامح المدرسة الفنلندية لمنهج الدراسات الفولكلورية، الذي أسسه يوليوس كرون ومن خلفوه من الدارسين، خاصة ابنه كارل كرون 1926.
واكتمال هذا المنهج واستقامته على يد إنتي أرني هلسنكي 1910، في الدليل الذي وضعه عن «أنماط الحكايات الخرافية وأنواع الحكايات الشعبية»، وهو التصنيف القيم الذي اكتمل في عدة مجلدات عن عبارات أو جزئيات الحكاية الشعبية في فولكلور العالم، المعروف بفهرست الموتيفات الأساسية للحكايات الشعبية والأساطير والبالاد وخرافات وقصص ومأثورات القرون الوسطى، بالإضافة إلى الحكايات الطوطمية والهزلية والمحلية، وبالإضافة إلى أن هذا الجهد التصنيفي يهمنا هنا جيدا؛ ذلك أن الجانب الأعظم الذي تضمنه هذا الدليل الفنلندي المرموق يخص تراثنا العربي باحتوائه على الآلاف المؤلفة من جزئيات الحكايات الفينيقية - ولنقل السامية العربية - لتراث الشرق الأدنى القديم المهاجر الذي حمله الفينيقيون من البحارة الشوام اللبنانيين والفلسطينيين، وطوفوا به منذ أقدم العصور - الألف الثالثة ق.م - في كل بقاع العالم البحري، خاصة البنية التراثية بل والسكانية التي استوطنت أقصى شبه الجزر الاسكندنافية وفنلندا.
ومن هنا يحق لنا رعاية هذا الدليل الفنلندي باهتمام خاص.
وبالطبع فهذه مجرد إلمامة لما حدث في العالم من حولنا من جهود في هذا الحقل، أو عجالة هدفها التوصل إلى تحديد نقطة بدء أو منطلق لخطة طويلة المدى، أو استراتيجية قومية وبداية لجهد عربي آن أوان مجيئه، إن لم يكن قد انقضى جدا.
وأتصور أن نبدأ في تنشيط حركة جمع الفولكلور للبلدان العربية على النحو التالي: (1)
القيام بعمل حصر ميداني لمراكز وهيئات جمع التراث والفولكلور بعامة، الموجودة بالفعل في بعض العواصم العربية، والتي وصل بعضها إلى درجة ملحوظة من التمرس الميداني، نذكر منها: المركز العراقي (بغداد)، والكويتي، والمغربي، والتونسي، والمصري، والسوري الإثنوجرافي؛ للوقوف على ما توصلت إليه هذه المراكز من جمع ورصد على كلا المستويين الكمي والنوعي للمواد الفولكلورية.
مع التعرف على أساليب الجمع والتصنيف المتبعة لدى كل قطر على حدة، بما يوقفنا على بعض الظواهر أو السمات المحددة، كأن تولي بعض المراكز اهتماما أكبر لبعض المجالات والحقول الفولكلورية والإثنوجرافية على حساب مجالات أخرى، كاهتمام المركز السوري مثلا - كما لاحظت وتحادثت مع مديره د. الحمامي - بالأزياء والفنون والصناعات الشعبية، ومركز تجميع التكية ومدرسة العظم، على حساب النصوص الشفهية، والعكس بالنسبة للمركز العراقي، بينما تتفوق الأبحاث المتصلة باللغة والصوتيات وصناعتها في المغرب.
أما في تونس فتستحوذ الإلياذة العربية أو سيرة الهلالية على الاهتمام الأكبر من حيث الجمع والبحث الأدبي، وليس الإثنوجرافي الذي قد يصل بالسيرة إلى أبعاد تاريخية سابقة على القرن العاشر الميلادي بعشرات القرون السابقة على التاريخ المتفق عليه، كما قد يصل بها إلى الصمود لكبريات سير الشعر الملحمي: الإلياذة، والمابهاراتا، وبيوولف ، والكاليفالا الاسكندنافية.
بينما يغيب عن المركز المصري الاهتمام بالتراث الموسيقي والفنون التعبيرية عامة، وافتقاده لقواه الدافعة التي صاحبت مولده إلى حد. (2)
يصبح مفيدا إقامة اتصالات بهذه المراكز؛ لتقييم حجمها من جانب، وتعرف ظواهرها، مع الأخذ في الاعتبار المعرفة أيضا بالوسائل التقنية المستخدمة من صوتية وبصرية، بالإضافة إلى المشاكل ومحاولة تذليلها بالقدر الممكن طبعا. (3)
ناپیژندل شوی مخ