عرف منذ حل أرض أميركا أن الشاب مثله لا يستطيع أن يفتح تجارة تدر عليه الأرباح الكثيرة؛ لأنه خلو من رأس المال، أما إذا شاء أن يصعد إلى مصاف التجار عن طريق الاشتغال بالأجرة أو البيع أو ما شاكل فأمامه سنون عديدة متعبة بالاقتصاد والثبات؛ ولهذا ابتعد عن الأشغال التي يتعاطاها إخوانه السوريون؛ ففي كل صيف كان يلزم معرضا من المعارض، يستأجر فيه خيمة على مدخلها قائمة كبيرة، مكتوب فيها هذه العبارة: «منجم شرقي يخبرك عن ماضيك وحاضرك ومستقبلك.»
وفي داخلها كان حضرته يجلس وعلى رأسه عمامة، مقرفصا تحت العباءة البدوية يدخن النارجيلة، وإلى جانبه شاب أميركي لا يعرف كلمة من العربية ينقل إلى الزبائن كلمات «علي بابا» المنجم إلى الإنكليزية.
وعلي بابا أو مخائيل فلفل يعرف من الإنكليزية بقدر ما يعرف ذلك الشاب الأميركي من العربية، ولكنهما ماهران بالترجمة بما يرضي الزبون، ويعجبه ويدهشه، وما يفيد جيوبهما بالدولارات التي تأتيهما عفوا دون تعب ولا عناء.
مرة وأنا في شارع برودواي شعرت بيد نزلت على كتفي، فأوقفتني وألفتتني لأرى من الموقف، فإذا أنا أمام رجل ذي لحية كبيرة، متسربل بالفرو الغنامي وعلى رأسه برنيطة حريرية عالية، وقد وقعت عيني على عينه فابتسم لنظرتي، وذهلت لرؤيته وأعملت فكرتي نحو دقيقتين لأعرف هويته، حتى جاءتني الذاكرة بمن هو، فصحت به: ومتى التحيت يا مايك؟ - عرفتني والله، ولكنك لم تعرف اسمي الجديد، احزر! - اسمك الجديد! أولك اسم جديد؟! - أولم تسمع في طول البلاد وعرضها باسم علي بابا؟ فأنا هو. - أأنت هو المنجم المشهور؟ - أنا هو. - الله! لقد كشفت لي عما بقيت أبحث عنه سنوات، وهو كيف تعيش وماذا تعمل؟
وأخذني صاحبي بالكار إلى كوني آيلند، فأدخلني إلى مرصده وعرفني على ترجمانه وأجلسني، وقال: اقعد هنا وانظر كيف يعيش صاحبك؟ وبأي مقام بين علية القوم؟ وكيف تأتيه زرافات الريالات صاغرة؟
فجلست عنده والدهشة تستولي علي وأنا أراقب كل حركة من حركاته، وفيما أنا على هذه الحال إذ تكلم الترجمان من داخل الستار قائلا: علي بابا! علي بابا!
فعض لي على شفتيه، مشيرا إلي أن أهمد بمكاني، أما هو فوضع العمامة على رأسه، وتسربل بالعباءة مقرفصا، ثم تناول النرييج وأخذ يشرق دخان النارجيلة.
وكأن صوت النارجيلة علامة للترجمان أن يدخل الزبون؛ فقد تم الاستعداد لقبوله أمام عظمة المشرح أسرار الناس والقابض على أزمة مجاهيل الطبيعة.
دخلت سيدة إلى حضرة علي بابا ودليلها الترجمان، الذي قال لها أن تركع أمام سماحة المنجم الأعظم. وركعت السيدة وإلى جانبها الترجمان، ولما استعد علي بابا للعمل انقطع لحظة عن التدخين، وأنا أتطلع إليه بشوق زائد، أدرس كل حركة من حركات وجهه ويديه ورجليه متربصا تحرك شفتيه بالأسرار عن ماضي تلك السيدة المشتاقة لمعرفة مستقبلها، وما عساه يجري عليها، متأكدة ذلك بما تسمعه من أسرار ماضيها.
وهم الترجمان لالتقاط الأسرار من فم كاشفها علي بابا، الذي فتح فاه بالكلام باللغة العربية قائلا: «قل لهذه العاهرة أن البودرة على خديها كادت تذوب تحت عرقها المتصبب من جبينها.»
ناپیژندل شوی مخ