ولكنه لا يجيب فيسألونه: من أنت، ما اسمك؟
يواصل أنينه بلا جواب فيسألونه: من أين أتيت؟
لا جواب ولا أمل في جواب: أي مكان تقصد؟
وبالتخمين وحده يعرف على نحو ما ما وقع له، فيؤمن الجميع بأنه ضحية لقطاع الطرق.
ويندمل الجرح ولكن العقل يذهب فيصبح من أهل اللطف، ويعيش في الحارة لا يبرحها، آنسا إلى ما يلقى من ستر ورحمة، تطعمه الصدقات، ينام تحت القبو شتاء، وعند سور التكية صيفا، كلامه هذيان أو أصوات مبهمة، يضحك ويبكي لغير ما سبب، ويظل مجهول الاسم والأصل والهوية والهدف.
ولما كانت دواعي الإهمال والاحتقار هي نفس دواعي الإجلال والتعظيم في حارتنا، فإن عبد الله - هكذا سمي باعتباره اسم من لا اسم له - يحتل مع الأيام مكانة سامية وتتحلق حوله هالة مبهمة من القداسة، يحيونه، يلاطفونه، يتوددون إليه، يحيطونه بأسرار، يؤولون أصواته المبهمة يتوارون وراءه إزاء المصائب المجهولة والأقدار الخفية.
وأسمع ذات يوم رجلا يدافع عن «ولاية» عبد الله، فيقول: أي فرد منا لا تتيسر له الحياة إلا بفضل معرفته للأصل الذي جاء منه والهدف الذي يسعى إليه، أما عبد الله فقد تيسرت له الحياة وحظي ببركاتها مع جهله بكل ذلك، ومن ينعم بملكوت الحياة وهو يجهل أصله وهدفه ومعنى حياته جدير بالولاية والتقديس!
الحكاية رقم «71»
رجل غريب في المقهى.
الغريب في حارتنا يسترعي النظر، فمن أين جاء الرجل؟
ناپیژندل شوی مخ