[فصل في أمور اجتهد فيها المتكلمون]
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل من حكايات الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (1) قال السيد (2) الشريف أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي أيده الله (3)
مخ ۴۳
ثلاثة أشياء لا تعقل
سمعت الشيخ أبا عبد الله أدام الله عزه (1) يقول ثلاثة أشياء لا تعقل وقد اجتهد المتكلمون في تحصيل معانيها من معتقديها (2) بكل حيلة فلم يظفروا منهم (3) إلا بعبارات يتناقض المعنى فيها (4) على مفهوم الكلام اتحاد النصرانية (5)
مخ ۴۵
وكسب النجارية (6) وأحوال البهشمية (7).
وقال الشيخ (8) ومن ارتاب بما ذكرناه في هذا الباب فليتوصل إلى إيراد
مخ ۴۶
معنى في واحد (9) منها معقول أو (10) الفرق بينها في التناقض والفساد ليعلم (11) أن خلاف ما حكمنا به هو الصواب وهيهات
مخ ۴۷
مفاسد القول بالحال
وسمعته يقول القول بالأحوال (1) يتضمن من فحش الخطإ والتناقض ما لا يخفى على ذي حجا فمن ذلك أن الحال في اللغة هي ما حال الشيء فيها
مخ ۴۹
عن معنى كان عليه إما موجود أو معقول لا نعرف (2) الحال في حقيقة اللسان إلا ما ذكرناه ومن ادعى غيره كان كمن ادعى في التحول والتغير خلاف معقولهما.
ومن زعم أن الله تعالى يحول (3) عن صفاته ويتغير في نفسه فقد كفر به كفرا ظاهرا (4) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ثم العجب ممن ينكر على المشبهة (5) قولهم (6) إن لله تعالى (7) علما به كان عالما وقدرة بها كان قادرا (8) ويزعم أن ذلك شرك ممن يعتقده وهو يزعم أن لله عز وجل (9) حالا بها كان عالما (10) وبها فارق من ليس بعالم وأن له حالا بها كان (11) قادرا وبها فارق من ليس بقادر وكذلك القول في حي وسميع
مخ ۵۰
وبصير ويدعي مع ذلك أنه موحد.
كيف (12) لا يشعر بموضع مناقضته (13).
هذا وقد نطق القرآن بأن لله علما فقال عز اسمه (14) أنزله بعلمه و ما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء .
وأطلق المسلمون القول بأن لله سبحانه قدرة (15).
ولم يأت القرآن بأن لله (16) حالا ولا أطلق ذلك أحد من أهل العلم والإسلام بل أجمعوا على تخطئة من تلفظ بذلك في الله سبحانه ولم يسمع من أحد من أهل القبلة حتى أحدثه أبو هاشم وتابعه (17) عليه نفر من أهل الاعتزال خالفوا به الجميع على ما ذكرناه.
مخ ۵۱
هذا وصاحب هذه (18) المقالة يزعم أن هذه (19) الأحوال مختلفة ولو لا اختلافها لما (20) ختلفت الصفات ولا تباينت في معانيها المعقولات.
فإن قيل له أفهذه (21) الأحوال هي الله تعالى (22) أم غير الله قال لا أقول إنها هي الله (23) ولا هي غيره والقول بأحد هذين المعنيين محال.
وهو مع هذا جهل المشبهة (24) في قولهم أن صفات الله لا هي الله ولا هي غير الله وتعجب منهم ونسبهم (25) بذلك إلى الجنون والهذيان.
وإذا احتفل (26) في الفرق بين الأمرين قال إنما جهلت المجبرة في نفيهم أن تكون الصفات هي الله وغير الله (27) لأنهم يثبتونها
مخ ۵۲
معاني (28) موجودات وأنا لا أثبت الأحوال معاني موجودات.
ولو علم أنه ازداد مناقضة (29) في ما رام به الفرق وخرج عن المعقول (30) لاستحيا من ذلك لأن القوم لما (31) أثبتوا الأوصاف التي تختص بالموجود لمعان أوجبوا وجودها على تحقيق الكلام لإستحالة إيجاب الصفة المختصة بالموجود (32) بالمعدوم الذي ليس له وجود لما يدخل في ذلك من الخلل والفساد.
وهذا الرجل لم (33) يتأمل ما اجتناه (34) فأثبت من الصفات ما لا يصح تعلقه بالمعدوم بحال وزعم أنه لا وجود لها ولا عدم.
فصارت مناقضته بذلك (35) من جهتين تنضاف إلى مناقضته في الإنكار على أصحاب الصفات (36) على
مخ ۵۳
ما ذكرناه و(37) حكيناه.
على أن من مذهبه ومذهب أبيه (38) أن حد الشيء على (39) ما صح
مخ ۵۴
العلم به والخبر عنه (40).
وهو يزعم أن الأحوال معلومة له (41) وهو دائما (42) يخبر عنها ويدعو إلى اعتقاد القول بصحتها ثم لا يثبتها أشياء.
وهذا مما لا يكاد علم (43) المناقضة فيه يخفى على إنسان قد سمع بشيء من النظر والحجاج (44).
وأظن أن (45) الذي أحوجه إلى هذه المناقضة ما سطره المتكلمون واتفقوا على صوابه من أن الشيء لا يخلو من الوجود أو (46) العدم فكره أن يثبت الحال شيئا (47) فتكون موجودة أو معدومة ومتى كانت موجودة لزمه على أصله وأصولنا جميعا أنها لا تخلو من القدم (48) والحدوث.
مخ ۵۵
وليس يمكنه الإخبار عنها بالقدم فيخرج (49) بذلك عن التوحيد ويصير به أسوأ حالا من أصحاب الصفات.
ولا يستجيز القول بأنها محدثة وهي التي بها لم يزل القديم تعالى (50) مستحقا للصفات فيكون بذلك مناقضا.
وإن قال إنها شيء معدوم دخل عليه من المناقضة مثل الذي ذكرناه.
فأنكر لذلك أن تكون الحال شيئا.
وهو لو شعر بما قد جناه (51) على نفسه بنفي الشيئية (52) عنها مع اعتقاده العلم بها وصحة الخبر عنها وإيجابه كون القديم تعالى (53) فيما لم يزل مستحقا لصفات (54) أوجبتها أحوال ليست بشيء ولا موجودة ولا معدومة ولا قديمة ولا محدثة (55) لما رغب في هذا المقال ولانتقل عنه إلى الحق والصواب (56)
مخ ۵۶
[فصل فروقات وخلافات بين المعتزلة والإمامية]
(فصل) (1)
في رأي المعتزلة البصريين في القدرة والإرادة
قال الشيخ أدام الله عزه (2) زعم البصريون جميعا أن القدرة لا يصح تعلقها (3) بالموجود لأنها إنما (4) تتعلق بالشيء على سبيل الحدوث وأوجبوا لذلك تقدمها على (5) الفعل.
ثم قالوا مناقضين إن الإرادة لا تتعلق بالشيء أيضا إلا على سبيل الحدوث فلذلك (6) لا يصح أن يراد الماضي ولا القديم.
مخ ۵۷
وهي مع ذلك عندهم (7) توجد مع المراد.
فهل تخفى هذه المناقضة على عاقل
مخ ۵۸
قول المعتزلة في الجواهر بما يقول أصحاب الهيولى
وقالوا بأجمعهم إن جواهر العالم (1) وأعراضه لم تكن (2) حقائقها بالله تعالى ولا بفاعل البتة (3) لأن الجوهر جوهر في العدم كما هو جوهر في الوجود وكذلك العرض (4).
ثم قالوا إن الله خلق الجوهر وأحدث عينه وأوجده بعد العدم.
مخ ۵۹
فقيل لهم ما معنى خلقه وهو قبل أن يخلقه جوهر كما هو حين خلقه (5) قالوا معنى ذلك أوجده.
قيل لهم (6) ما معنى قولكم أوجده وهو قبل الوجود جوهر كما هو في حال الوجود قالوا معنى ذلك أنه أحدثه وأخرجه من العدم إلى الوجود.
قيل لهم هذه العبارة مثل الأولتين (7) ومعناها معناهما فما الفائدة في قولكم (8) أحدثه وأخرجه من العدم إلى الوجود (9) وهو قبل (10) الإحداث والإخراج جوهر كما هو في حال الإحداث والإخراج.
فلم يأتوا بمعنى يعقل في جميع ذلك ولم يزيدوا على العبارات والانتقال من حالة إلى حالة (11) أخرى نزوحا (12) من الانقطاع.
ولم يفهم عنهم معنى معقول في الخلق والإحداث
مخ ۶۰
والاختراع (13) مع مذهبهم في الجواهر والأعراض.
وأصحاب برقلس (14) ومن دان (15) بالهيولى (16) وقدم الطبيعة (17) أعذر من هؤلاء القوم إن كان لهم عذر.
ولا عذر للجميع فيما ارتكبوه من الضلال لأنهم يقولون إن الهيولى هو أصل العالم وإنه لم يزل قديما وإن الله تعالى محدث له (18) كما يحدث الصائغ (19) من السبيكة خاتما والناسج من الغزل ثوبا والنجار (20) من الشجرة لوحا.
مخ ۶۱
فأضافوا إلى الصانع الأعيان لصنعه (21) ما أحدث فيها (22) من التغيرات.
والبصريون من المعتزلة ومن وافقهم فيما ذكرناه أضافوا إلى الفاعل الجواهر والأعراض ولم يحصلوا في باب الإضافة معنى يتعلق به.
ومن تأمل قول (23) هذا الفريق علم أنه (24) قول أصحاب الهيولى في معنى قدم أصل العالم بعينه وإن فارق أهله في العبارة التي يلحقها الخلل ويسلم أولئك منه ومن المناقضات لكشفهم القناع ومجمجة (25) هؤلاء للتمويهات
مخ ۶۲
مفاسد قول المعتزلة في الوعيد
قال الشيخ أدام الله عزه (1) وقول جميع المعتزلة في الوعيد تجوير (2) لله تعالى وتظليم له وتكذيب لأخباره (3) لأنهم يزعمون أن من أطاع الله عز وجل (4) ألف سنة ثم قارف (5) ذنبا محرما له مسوفا (6) للتوبة منه فمات على ذلك لم يثبه على شيء من طاعاته (7) وأبطل جميع أعماله وخلده بذنبه في
مخ ۶۳
نار جهنم أبدا لا يخرجه منها برحمة منه ولا بشفاعة مخلوق فيه.
وأبو هاشم منهم خاصة يقول إن الله تعالى يخلد في عذابه من لم يترك شيئا من طاعاته (8) ولا ارتكب شيئا من خلافه ولا فعل قبيحا نهاه عنه لأنه زعم وقتا من الأوقات أنه (9) لم يفعل ما وجب عليه ولا خرج عن الواجب باختياره له (10) ولا بفعل يضاده (11).
هذا والله تعالى يقول ولا نضيع أجر المحسنين (12).
ويقول إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا .
ويقول فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
ويقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها .
مخ ۶۴