حکایه وما په کې دی
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
ژانرونه
أولى خطوات الرحلة
الكلمات المفاتيح
سحر الكتابة الحرة
في مديح الأسئلة الصغيرة
كن صياد فراشات
أنت بستاني أفكارك
العب بجدية الأطفال
أيهما تتبع ... حياتك أم خيالك؟
أوهام شائعة حول حرفة الكتابة
من قصاصة إلى قصة
ناپیژندل شوی مخ
احرص على توءم روحك (قارئك)
أين دفتر يومياتك؟ «الثيمة» تلك البوصلة الخفية «الثيمة» ذلك اللحن السري «الحبكة» جديلة الأسباب والنتائج
الوجه الآخر للحبكة
اسرق حبكاتك ... شكسبير فعلها
أشياء كبيرة وعدسات صغيرة
لون أفكارك بألوان السرد
فتنة الشخصية
ارسم نفسك ولكن ...
جرب القص واللصق
أنت رسام بورتريهات
ناپیژندل شوی مخ
الصور تدب فيها الحياة
مرحبا مدام باكينام
آلات الأوركسترا
سبعة تمارين على الشخصية
كلام يؤدي ويجيب
للحوار أصول
ألسنة تبوح وتوحي
حدثنا فقال ...
تعال نتمرن على الحوار
سر الطبخة بداخلك
ناپیژندل شوی مخ
افتح عينيك
انظر بقلمك
ما وراء الصور
الوصف صنعة
ثلاث ملاحظات حول الوصف
تكوين المشهد
كن منسق مناظر
الأماكن كلها ملك يديك
فن الإنصات
اتبع صوت الموسيقى
ناپیژندل شوی مخ
بين قوسين
اهزم ذلك الحاجز
إلى ما لا نهاية
ملحق (أ): عشرة كتب مترجمة عن الكتابة الإبداعية
ملحق (ب): نصائح لكتابة السرد من عشرين كاتبا محترفا
أولى خطوات الرحلة
الكلمات المفاتيح
سحر الكتابة الحرة
في مديح الأسئلة الصغيرة
كن صياد فراشات
ناپیژندل شوی مخ
أنت بستاني أفكارك
العب بجدية الأطفال
أيهما تتبع ... حياتك أم خيالك؟
أوهام شائعة حول حرفة الكتابة
من قصاصة إلى قصة
احرص على توءم روحك (قارئك)
أين دفتر يومياتك؟ «الثيمة» تلك البوصلة الخفية «الثيمة» ذلك اللحن السري «الحبكة» جديلة الأسباب والنتائج
الوجه الآخر للحبكة
اسرق حبكاتك ... شكسبير فعلها
أشياء كبيرة وعدسات صغيرة
ناپیژندل شوی مخ
لون أفكارك بألوان السرد
فتنة الشخصية
ارسم نفسك ولكن ...
جرب القص واللصق
أنت رسام بورتريهات
الصور تدب فيها الحياة
مرحبا مدام باكينام
آلات الأوركسترا
سبعة تمارين على الشخصية
كلام يؤدي ويجيب
ناپیژندل شوی مخ
للحوار أصول
ألسنة تبوح وتوحي
حدثنا فقال ...
تعال نتمرن على الحوار
سر الطبخة بداخلك
افتح عينيك
انظر بقلمك
ما وراء الصور
الوصف صنعة
ثلاث ملاحظات حول الوصف
ناپیژندل شوی مخ
تكوين المشهد
كن منسق مناظر
الأماكن كلها ملك يديك
فن الإنصات
اتبع صوت الموسيقى
بين قوسين
اهزم ذلك الحاجز
إلى ما لا نهاية
ملحق (أ): عشرة كتب مترجمة عن الكتابة الإبداعية
ملحق (ب): نصائح لكتابة السرد من عشرين كاتبا محترفا
ناپیژندل شوی مخ
الحكاية وما فيها
الحكاية وما فيها
السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
تأليف
محمد عبد النبي
كل طفل يولد فنانا، المشكلة هي كيف نحتفظ بهذا الفنان بينما نكبر.
بابلو بيكاسو
أولى خطوات الرحلة
انتبه
الكتابة لعبة ممتعة، ولكن يجب ممارستها بمنتهى الجدية. •••
ناپیژندل شوی مخ
إذا كنت تميل إلى تفويت مقدمات الكتب، كما أفعل أنا أحيانا، فلا بأس من تفويت هذه المقدمة والقفز إلى أول الفصول مباشرة، أما إذا أصررت على قراءتها فأعدك ألا تكون مطولة دون داع، وأن تكون مجدية وذات مغزى. •••
ما دمت قد اقتنيت هذا الكتاب وشرعت في قراءته، فأغلب الظن أنك كاتب، كاتب بالفعل أو بالقوة، كاتب ينتظر اللحظة المناسبة أو يكافح لاكتساب وتمتين أدواته وتقنياته. هذا الكتاب موجه لك تماما، غير أنه لن يمنحك عصا سحرية ستجعل منك كاتبا مرموقا بمجرد الانتهاء منه، غاية ما هنالك أنه سوف يشجعك على ممارسة الكتابة بانتظام وفي إطار منهجي، وبالتدريج خطوة بعد أخرى.
أما وقد صرحنا بهذا فيمكنك أن تعيد هذا الكتاب إلى موضعه دون مزيد من المتاعب، إن لم تكن مستعدا بعد لرحلة الكتابة التي سيأخذك إليها. إذا كان الأمر هو العكس، فإني أدعوك لمواصلة القراءة ولو لصفحات قليلة، وأن تؤجل الحكم حتى ذلك الحين. •••
حتى لحظتنا هذه، لا تزال مسألة تعليم وتعلم الكتابة الإبداعية لا تجد ترحيبا كبيرا في الأوساط الأدبية بعالمنا العربي، لأسباب ودعاوى عديدة؛ منها مثلا أن الإبداع الأدبي لا بد أن يعتمد في الأساس على الموهبة الفطرية والسليقة، وأن ذلك النوع من الإرشاد والتوجيه قد يشوش - أو يشوه حتى - تجربة المبدع العفوية الحرة.
من يستطيع الادعاء أننا لسنا بحاجة إلى موهبة أو درجة من الاستعداد المبدئي لممارسة أي نوع من الفنون، أو حتى بعض المهن التي تحتاج إلى مهارات خاصة؟ غير أنه لا يوجد فن في غنى عن التدريب لممارسته ، من العزف الموسيقي إلى التمثيل، مرورا بالغناء والرقص، وهو ما يقره الجميع تقريبا، ولكن حين يتعلق الأمر بالكتابة، ستلاحظ الامتعاض والنفور إزاء مبدأ التدريب والتعلم، كأن الإنسان إما أنه يولد كاتبا كبيرا وإما أنه لن يستطيع أن يكتب سطرا جيدا أبدا، وهي أسطورة علينا هزيمتها بداخلنا الآن وفورا. •••
من بين الحجج الأخرى التي ترفض هذا التوجه، أنه قد ينتج أنماطا ثابتة ومعلبة من الكتابة الإبداعية، خاصة تلك التي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي والتجاري؛ غير أن تعليم الكتابة الحقيقي لا يفرض على المتعلم أي شكل أو أسلوب لكتابته، بقدر ما يمنحه الأدوات اللازمة لاكتشاف صوته الخاص وتطوير أسلوبه وامتلاك التقنيات، بصرف النظر عما سينتجه بنفسه بعد امتلاكه أدواته؛ فقد يتخرج من ورشة النجارة نفسها متدربان، أحدهما يبقى طول مسيرته المهنية يكرر ما يراه ويطمئن لاحتياج الزبائن إليه، والآخر يستخدم نفس الأدوات ويتعلم نفس المبادئ، غير أنه يمضي لاختراع تحف لا نظير لها، بل يكتشف أيضا حيله وأساليبه الخاصة بعد فترة. •••
بفضل جهود أشخاص كثيرين واقتناعهم بما يفعلون، هدأت تلك الاعتراضات قليلا في السنوات الأخيرة، وتوالت دعوات تؤكد على أهمية نقل الخبرات الإبداعية وعقد ورش الكتابة وترجمة الكتب التي تتناول أسرار وتقنيات هذا النوع الأدبي أو ذاك.
كان من بين نتائج هذا التوجه الإقبال على قراءة نوعية خاصة من الكتابات البعيدة عن الأعمال النقدية الرصينة والغامضة على المبتدئين غالبا؛ تلك الكتابات التي تهدف إلى الأخذ بأيدي شباب الكتاب أو الراغبين في التطور من أصحاب التجارب.
لن يجد قارئ اللغة الإنجليزية - وكاتبها بالأصح - أي صعوبة في العثور على مئات العناوين في ذلك الاتجاه، وضعت لأغراض مختلفة في عملية تعليم آليات الكتابة، على مدى سنوات كثيرة، ومنها مؤلفات لأساطين عالم الأدب أو لمحترفي تعليم الكتابة، وإن لم تسطع نجومهم في عالم التأليف الأدبي ذاته.
ولسنوات عديدة بحثت وقرأت ودرست مثل تلك المصادر، في الكتب ومواقع الإنترنت، سواء أكانت مكتوبة بالعربية لكتاب عرب أم مترجمة أم باللغة الإنجليزية، وجزء كبير مما توشك على قراءته في هذا الكتاب هو ثمرة هذا البحث المطول بجانب الممارسة العملية في ورش الكتابة الأدبية، متدربا في البداية في ورش مختلفة، ثم مدربا في ورشة (الحكاية وما فيها) لدفعات متتالية، ولعل خبرة الممارسة - وما استقيته منها - كانت أهم وأعمق أثرا من عشرات الصفحات التي قرأتها. •••
ناپیژندل شوی مخ
بدأت تجربتي مع ورش الكتابة برغبة عارمة في التعلم والاستزادة حول شغف حياتي؛ الكتابة. أردت أن أتعلم أيضا كيف يمكن عمل ورشة كتابة أدبية نتبادل فيها الخبرات حول الأسرار والأدوات والتقنيات، ونمارس فيها لعبة السرد بكل جدية، ومن هذه الرغبة بدأت أولى الورش عام 2009 في إحدى مكتبات وسط القاهرة، على مدار خمسة شهور تقريبا، ثم تواصلت الدفعات المختلفة وتوالت نجاحات خريجيها، ولا تزال تتواصل حتى الآن؛ تعلمت الكثير خلالها عن مهارات المدرب وكيفية إدارة ورش الكتابة، وبالطبع الكثير عن الكتابة السردية ذاتها.
كمتدرب، لي أكثر من تجربة مع ورش كتابة السرد والمسرح والسيناريو، لكن الأساس فيها جميعا كان هو الخروج بالكتابة من مناطق غيبية وغير ملموسة مثل الوحي والإلهام والموهبة بحكم المولد، إلى مناطق مضيئة ومفهومة بدرجة أكبر مثل العمل والالتزام والتطور والتعليم والتعلم.
استفدت من كل ورشة ومن كل مدرب تعاملت معه في جميع تلك الورش، لكن كان علي أن أطور أسلوبي الخاص فيما بعد وطريقة عملي، وأن أضع ما يشبه المنهج، الذي لم أخترعه بالطبع بقدر ما استقيته من مصادر مختلفة ثم صغته في صورة مبسطة، بطريقة تتيح لي أنا - قبل الآخرين - أن أستمتع وأستفيد وأتطور. •••
لا أستطيع أن أزعم أنني صاحب منهج في تعليم الكتابة السردية بالمرة، أو صاحب تجربة عريضة في الكتابة أستطيع أن أستنبط منها قواعد محددة يمكن فرضها على كل تجربة وكل مبدع؛ كل ما تفعله الورش الأدبية، وكل ما يحاول هذا الكتاب أن يقدمه، هو التشجيع على العمل والإنتاج في إطار منظم، بعيدا عن أهواء المبدع ونزق تجلياته وتقلباته، واستسلامه لأوهام الوحي وانتظار الإلهام.
الكتابة عمل، وككل عمل آخر، يحتاج إلى ممارسة وانتظام وتأمل وتطوير؛ من هنا تأتي أهمية الورش مبدئيا، ثم الرغبة في التطوير والتعلم والممارسة بعد ذلك. دوري المبدئي، في الورش وهنا أيضا، أن أكون همزة وصل بين المتدرب أو القارئ وبين خبرات وتجارب لم أخترعها بل استقيتها من مشارب مختلفة.
ومع ذلك، لا بد أن نعترف بأنه لا توجد ورشة - أو كتاب - يمكن أن تصنع كاتبا من نقطة الصفر، أقصى ما يمكن تحقيقه أن نمد له طرف الخيط، أن نبين له الاتجاهات الأساسية، أن نمنحه وصلة هادية، حتى لو استغنى عنها بعد وقت وآثر الإبحار في المجهول. لا شيء يصنع كاتبا إلا ممارسة فعل الكتابة ذاته؛ أي النزول إلى البحر، ومناوشة الموج، يوما بعد آخر، وسطرا بعد سطر. •••
على مدار عام 2014، وبدعوة كريمة من مؤسسة هنداوي، كنت أكتب أسبوعيا مقالا صغيرا حول هموم ومسائل الكتابة السردية، موجها بالأساس للمبتدئين، ولكن يمكن أن ينتفع بما فيه كل كاتب متحقق يجد في نفسه الميل لتطوير حرفته. فصول الكتاب التالية هي ثمرة هذا العام، الذي سعدت فيه بضرورة العمل تحت ضغوط زمنية منتظمة ومساحة كتابة محدودة، ورحت أجمع كل موادي النظرية وألعابي الكتابية، وأحشد مصادري وخبراتي لأنتج شيئا قد يكون نافعا، ولو لشخص واحد فقط يطمح للكتابة ولا يعرف من أين يبدأ، أو مشتت قليلا مما يسمعه هنا وهناك في المنتديات والصالونات الأدبية.
بدأت سلسلة المقالات - الفصول التالية - بمناوشة فعل الكتابة عموما؛ مصادر الإلهام وتفتيح الآفاق، وكيف نهزم طغيان الصفحة البيضاء ورهبتها، وكيف نجمع أفكارنا كمن يصطاد فراشات ملونة. ثم كان علي أن أركز على محاور أساسية في عملية الكتابة السردية، مثل: «الثيمة»، والحبكة، وتحويل المعاني المجردة إلى سرد درامي وأشياء ملموسة، وطبعا الشخصية والحوار والوصف. انتهى العام بأسرع مما أتخيل، دون أن أتعرض بعد لمسائل كثيرة ذات شأن في لعبة السرد، مثل وجهات النظر وأنواع الرواة أو المراجعة والتحرير. ما زلت أطمح لاستكمال الرحلة التي بدأتها هنا ذات يوم.
على الرغم من أن معظم فصول هذا الكتاب موجهة لكتاب القصص والروايات بشكل أساسي، فإن بعض مواده قد تكون مفيدة لمن يمارسون كتابة أنواع أدبية أخرى - خصوصا الفصول الأولى - أو من يكتبون في فنون الدراما المختلفة للمسرح والسينما والتليفزيون.
الجانب النظري من الكتاب هو الأساس بالطبع، لكن دون جانبه العملي لا يمكن لفائدته أن تتم، بقدر ما أمكن حاولت أن أرفق بكل موضوع تمرينا أو مجموعة من تمرينات الكتابة التي أحث قارئ هذا الكتاب على تنفيذها بشدة، فمن دون هذه الممارسة العملية قد تتبخر أفكار واقتراحات هذه الفصول دون أثر يذكر بعد فترة. •••
ناپیژندل شوی مخ
لطالما كانت تمرينات الكتابة جزءا من مسيرة أي كاتب، سواء أكان من المبتدئين أم المتمرسين الذين يعرفون قيمة هذه الأداة الثمينة؛ وقد نجد في مذكرات بعض أكبر وأشهر الكتاب، مثل فلوبير وتشيخوف وهيمنجواي، أمثلة عديدة على ما نسميه اليوم تمرينات الكتابة، وإن لم يمنحوها هذا الاسم عندئذ. يتحدث ف. سكوت فيتزجيرالد على سبيل المثال عن «حيلة كتابة» تعلمها هو وهيمنجواي من جوزيف كونراد. وفي كتابه «فن السرد»، يقول جون جاردنر عن تمرينات الكتابة: «عندما يتناول الكاتب المبتدئ مشكلة صغيرة ومحددة، من قبيل وصف مشهد أو وصف شخصية، أو كتابة حوار قصير له غرض محدد، فإن مستوى عمله يقترب من درجة الاحتراف.»
ليس عليك أن تلتزم حرفيا بكل التمرينات الواردة في هذا الكتاب، كن مبتكرا؛ فهذا ليس فصلا دراسيا لتعلم لغة جديدة أو مهارات الحاسب الآلي، بعد بعض الوقت أبدع في تمريناتك الخاصة التي تدرك أنها تخاطبك أنت وتعزف على الأوتار الخفية بداخلك؛ فالهدف من التمرينات عموما ليس تنفيذها بقدر ما هو اكتساب المهارات التي نتمرن عليها، وتشغيل محرك الكتابة والخيال، واستكشاف عوالم جديدة على الورق، وما دمت استطعت تحقيق تلك الأهداف - وغيرها - فكن حرا في اللعب كما يحلو لك. •••
أكثر من مرة، خلال فصول الكتاب، سوف تلاحظ تأكيدي على أن المادة الواردة حول كل جانب من جوانب اللعبة السردية ليست إلا مبادئ أساسية تماما، الجهل بها خطيئة ولكن الاكتفاء بها خطيئة أكبر. موضوعات كثيرة في هذا الكتاب تحتاج إلى آلاف الصفحات لدراستها والإحاطة التامة بها - الشخصية في السرد على سبيل المثال - لذلك أدعوك بشدة إلى اعتبار هذه الصفحات مجرد باب أول نحو ذلك العالم الشاسع، باب له طابع عملي وتدريبي لكنه لن يغنيك بالمرة عن الإبحار الحر بمفردك. •••
إذا كنت كاتبا متمرسا، وله كتب منشورة، فقد ترى في كثير من مواد هذا الكتاب بديهيات ساذجة، لا حاجة لتكرارها، لكني أرجو أن تجد فيه أيضا محفزات على العمل بطرق جديدة ومختلفة عما صرت مطمئنا إليه الآن. مهما نشر أحد الكتاب ومهما ذاع صيته، يظل على الدوام بحاجة إلى تجديد دمائه، وتقليب تربة أفكاره وقناعاته، وكل كاتب حقيقي يدرك أنه تقريبا يبدأ من الصفر مع كل مشروع جديد يعمل عليه، وأنه كثيرا ما يجد نفسه مضطرا للتخلي عن كثير من عقائده القديمة ليبحر في المجهول.
أما إذا كنت وافدا جديدا على عالم الكتابة، ولم تتح لك فرصة الاشتراك في ورشة كتابة أدبية من قبل، لسبب أو لآخر، فلتعتبر هذا الكتاب ورشتك الصغيرة الخاصة، انتظم في قراءته وممارسة تمريناته كأنها مسألة طقس واجب الأداء، وأعدك ألا تقل ثمرة جهدك عما يناله كثيرون من التحاقهم بورش وفصول الكتابة، فقد كان هذا هدفا أساسيا في أثناء إعداد مواد هذا الكتاب. •••
في نهاية فصول الكتاب تجد ملحقين؛ الأول أعرض فيه بإيجاز عشرة كتب مترجمة عن الكتابة الإبداعية بمختلف أشكالها، وكل كتاب منها يعد ثروة أدبية وعملية لا تقدر بثمن، فلا تتردد في البحث عنها والاطلاع عليها. الملحق الثاني ثروة أخرى من نصائح للكتاب قدمها مجموعة من أمهر وأروع كتاب الغرب. سيعطيك هذان الملحقان لمحة سريعة عن المواد التي استعنت بها من أجل إعداد هذا الكتاب. •••
أنا مدين وممتن لعدد كبير من الكتاب والكتب والمواقع والمصادر والندوات وحوارات الأصدقاء، وبالطبع ورشة «الحكاية وما فيها» نفسها، فلولا كل تلك المنابع والمصادر لما كان بوسعي أن أنجز هذا العمل، وكل ما أرجوه أن يجد القارئ هنا نفعا وفائدة ورفيقا مخلصا في رحلته الشاقة مع الكتابة.
حظا موفقا وعملا ممتعا.
الكلمات المفاتيح
أعيش لحظة عقيمة؛ الورقة مطروحة أمامي، منذ آن لا تبرق في آفاقي بارقة، لا أظفر بشيء، ولا بكلمة أفتتح بها خطابي إليك؛ فإن الأمر لدي كامن في كلمات مفاتيح، ما إن أستأنف واحدة وأصففها في مستهل الصفحة، حتى تنزل علي شآبيب الكلام، لكن اللحظة عقيمة، لقد شبعت في السقف تحديقا وفي الخواطر تقليبا، تنهدت كثيرا ولا يفتح الله علي بشيء، قلت إذن فلنكتب عن اللحظات الغبيات العواقر.
ناپیژندل شوی مخ
الفقرة السابقة من مستهل رسالة كتبها الكاتب الكبير الراحل عبد الحكيم قاسم إلى صديقه الكاتب محمد صالح، وقد نشرت في كتاب «نوبة حراسة» الذي جمع فيه الصحافي محمد شعير رسائل عبد الحكيم قاسم إلى أقاربه وأصدقائه خلال فترة إقامته وعمله في ألمانيا.
ومن الصعب أن نجد أفضل من هذه الفقرة تعبيرا وشرحا لفكرة الكلمات المفاتيح
The keywords ، ومن مجرد المصطلح يمكننا أن نخمن أنها كلمات تفتح أبوابا، تفضي تلك الأبواب بدورها إلى غرف ودهاليز ورحبات ثم طوابق، وربما ممالك وعوالم.
إنها كلمة قد تومض في الذهن فجأة وسط الضجيج والزحام لتفجر الشرارة الأولى لنصك الأدبي، وكل كلمة طرف خيط، ما عليك إلا أن تمسك بهذا الطرف وتسحبه إليك أو تتبعه حتى تصل إلى مبتغاك: النص؟ القصيدة؟ القصة؟ الرواية؟ ولعل تلك الكلمة تكون اسم علم «كليوباترا»، أو اسم شيء «الساقية»، أو فعلا «يتعرى»، أو صفة «بخيل»، أو حالا «مسرعا»، والاحتمالات بلا نهاية تحت كل فئة من هذه الفئات، لكن «الكلمة- المفتاح» تبقى بؤرة في المركز تمد من حولها بأشعة وخيوط في اتجاهات عديدة كأنها بيت العنكبوت.
هناك أكثر من طريقة يمكنك بها اكتشاف المناطق والاتجاهات التي يمكن لهذه الكلمة المفتاحية أن تأخذك إليها؛ مثلا عندك طريقة التداعي الحر، شفويا أو كتابة، بأن تردد أو تكتب كل الكلمات التي يمكن لكلمتك الأساس أن تجرها إليك، مثلا: الساقية، المياه، الغيطان، الفلاحين، الترعة، الزلعة، الفجر، الصلاة، الديك، الاستيقاظ، الاغتسال، الشقاء ... إلى آخره. بهذه الطريقة تسمح لكلمتك المفتاحية بأن تشق سبيلها لتكتشف ذاتها بين أقاربها من الكلمات، وترسم محيطها الخاص بها. وثمة طريقة أقرب إلى الرسم منها إلى التداعي اللفظي الحر، وهي أن ترسم دائرة في منتصف صفحة بيضاء كبيرة، وتكتب في قلبها كلمتك المفتاحية، وكأن هذه الدائرة هي شمس صغيرة تخرج منها مجموعة من الأشعة، وكل شعاع ينتهي بدوره بدائرة أخرى، بداخلها كلمة جديدة تفرعت عن الكلمة الأم، فلو كان مركز الدائرة «كليوباترا» يمكن أن تمتد منه كلمات مثل: تاريخ، وسجائر، وإليزابيث تايلور، وغرام، وأنطونيو، وحتى عبد الوهاب ... فهنا يرتسم أمامك أفق كامل من الدلالات، ودورك هو تبين العلاقات وعقد الصلات بين تلك الأطراف الشعثاء المتباعدة؛ أن تلملمها في روابط وعبارات واحتمالات؛ هل يمكن أن تخرج الملكة كليوباترا من صورة على علبة سجائر؟ هل التقت إليزابيث تايلور بكليوباترا في العالم الآخر فأطلعتها الملكة القديمة على رأيها في أدائها لدورها؟ والاحتمالات تكاد تكون دائما بلا نهاية.
في الطريقة الأولى؛ التداعي الحر، تحصل على تسلسل زمني يقودك إلى استنفاد احتمالات الكلمة المفتاحية، أما في الطريقة الثانية فإنك ترسم خريطة للاحتمالات والعلاقات تراها بعينيك تكبر وتتسع في كل الاتجاهات الممكنة.
انطلاقا من كلمة أساسية ينفتح أمامك أفق النص - الذي ما زال جنينا في رحم الغيب حتى الآن - وكذلك ترتسم أمام عينيك مجموعة من الاحتمالات السردية التي يمكن البناء عليها، أو على الأقل يمكن أن تؤدي إلى احتمالات أخرى أكثر تعقيدا وذكاء. من هنا يمكنك أن تصل إلى فكرتك، أو ربما إلى عبارتك الأولى؛ الجملة المفيدة التي سيدور حولها نصك الوليد.
في حالة عدم ظهور كلمة مفتاحية تلقائيا في لحظة شرود أو تجل، يمكنك أن تتريث حتى تكشف عن نفسها لك، وربما يطول انتظارك، كما يمكنك - وهو الأفضل - أن تذهب أنت إليها بأن تتلاعب بأكبر قدر ممكن من الكلمات، وأن تعامل كلا منها باعتبارها كلمة مفتاحية، العب معها لعبة التداعي الحر للمفردات، وارسمها في قلب بيت العنكبوت، واكشف علاقاتها الخفية بالمفردات الأخرى. كرر الأمر حتى تجد كلمتك المنشودة.
لو راجعت فقرة عبد الحكيم قاسم من جديد، فستجده قد نجح في الفرار من عقم اللحظة التي لا يجد فيها كلمة مفتاحية تنجده بمواجهة هذا العقم نفسه، وبالكتابة عن «اللحظات الغبيات العواقر»، وهذه حيلة في غاية من البراعة؛ يمكنك أن تنفذها أحيانا بأن تمسك بالكلمة التي تضايقك ثم تفككها وتتداعى معها، وأن تكتشف أفق دلالاتها. فلتكتب عن العجز عن الكتابة حين تشعر به يدق بابك، وسرعان ما سيتحول شبح العجز هذا إلى تدفق ووفرة وطاقة.
تمرين
ناپیژندل شوی مخ
ليس عليك أن تكتب الآن، أنت تلعب فقط، تلعب بالكلمات. اختر كلمة والعب معها لعبة التداعي وانظر إلى أين تقودك؛ ثم ارسم هذه الكلمة في قلب دائرة، وارسم أربعة أو خمسة أسهم تخرج من الدائرة لتنتهي بدوائر أخرى أصغر، واكتب أول أربع أو خمس كلمات توحي لك بها الكلمة الأم، ثم كرر الأمر مع كل دائرة فرعية حتى تتكون أمامك شبكة أو خريطة. تأمل العلاقات الممكنة بين تلك المفردات، كون جملا منها؛ جملا مفيدة ذات معنى يمكنها أن تكون أساسا لنص جميل.
نصيحة
احتفظ معك على الدوام بدفتر صغير، لتلعب فيه مع مفرداتك، أو لتدون به سريعا الخواطر والأفكار العابرة التي سرعان ما تذوب في زحمة المشاوير وصخب الدنيا. سيكون هذا الدفتر هو بنك أفكارك ومغارة الكنوز الخاصة بك عندما تخلو إليه في الليل. لا تعتمد على الذاكرة؛ لأن الأمر كما قال كونفوشيوس: «إن أضعف حبر يكتب به شيء على الورق لهو أقوى من أفضل ذاكرة إنسانية.»
فائدة
شآبيب:
جمع شؤبوب؛ أي دفعة واحدة من المطر، وشآبيب الرحمة هي الدفعات المتتالية من الرحمة، فهي ليست شؤبوبا واحدا؛ لأن رحمات الله تعالى لا تنقطع، فهي متتالية.
سحر الكتابة الحرة
عند سؤال الكاتبة «جويس كارول أوتس» حول تلك الحالة المثالية التي يمكنها فيها أن تكتب من الصباح المبكر وحتى الأصيل، قالت يجب على المرء ألا يتهاون أبدا مع مسألة «المزاج الملائم» هذه؛ لأن الكتابة بمعنى ما هي التي توجد «المزاج الملائم». وهو رأي يخالف كثيرا ما نشأنا عليه بخصوص انتظار اللحظة المواتية للكتابة.
نعرف جيدا الصورة المألوفة للكاتب الذي يجلس محدقا في الورقة البيضاء بنظرة تعيسة في انتظار الوحي، أو يهيم على وجهه في الطرقات (أو ربما في أحضان الطبيعة) ملتمسا الإلهام. الآن، فلتعتبروا هذه المشاهد من مخلفات تاريخ الكتابة، فلم يعد عليك انتظار الوحي والإلهام، بل عليك أن تذهب بنفسك إليه، على قول وليام فوكنر: «إنني لا أكتب إلا بإلهام، ولحسن الحظ، فإن الإلهام يأتيني كل يوم في التاسعة صباحا.» هذا يعني أن على الإلهام - إذا كان له وجود - أن يجدك في انتظاره عندما يقرر زيارتك، وأن يجدك مستعدا ومتأهبا لالتقاط منحه وكراماته.
إليك واحدا من أهم كنوز صندوق أدوات الكتابة، وهو «الكتابة الحرة».
ناپیژندل شوی مخ
الكتابة الحرة هي أداة، الهدف من استخدامها أن تضع على الورق أمامك أي شيء يخطر في بالك وقت الكتابة (أي شيء بمعنى أي شيء) لمدة محددة من الوقت (عشر دقائق مثلا)، أو لعدد محدد من السطور أو الكلمات (20 سطرا أو 200 كلمة)؛ الهدف أن تكتب فحسب، في دفقة متواصلة، سواء انطلاقا من كلمة أو فكرة أو شخصية، أو حتى قطعة موسيقية أو لوحة فنية، والاحتمالات - كما هي العادة - بلا نهاية، أو دون أن تنطلق من أي شيء بالمرة؛ من البياض المحض. كل ما هنالك أن يتحرك قلمك ببساطة وبسرعة على الصفحة، أو أن تعزف الأصابع بنشاط وخفة على لوحة المفاتيح دون وعي تقريبا، مع إرجاء كل من الحكم والنقد والتنقيح والتحرير والضبط إلى وقت تال.
من الضروري كبح أي صوت نقدي قد يبرز في رأس الكاتب، ولو ألح هذا الصوت واستمر في الظهور؛ فبعض الكتاب ينصحون باستخدامه ووضعه هو الآخر على الورق والتسلل من حوله للعودة من جديد لمسار الأفكار. كما أن الاكتفاء بالحد الأدنى من سيطرة العقل الواعي على تيار الكتابة؛ شيء لا غنى عنه عند ممارسة الكتابة الحرة؛ لأنه عندئذ فقط تبدأ المفاجآت المدهشة في الظهور، وبعد أن كانت اليد ثقيلة في السطور الأولى - أو جلسات الكتابة الأولى - تخف وتتطاير كأنها تكافح لتلحق بتيار الأفكار المتتابعة في الذهن، وبعد أن كانت الصورة غائمة ومشوشة، نراها - بعد فترة من الممارسة - وقد انجلت ووضحت معالمها وتفاصيلها، حتى إننا قد نشعر في لحظة ما أننا لا نكتب، بل نكتشف، لا نبدع من عدم، بل فقط نمر بأصابعنا على سطور مكتوبة سلفا من زمان بحبر سري بداخلنا، وما علينا إلا أن نكشف عنها النقاب.
في كتابها
Becoming a Writer
تقترح «دوروثيا براند» أن الطريقة المثلى لأن تبدأ كتابك ليست هي الانطلاق من فكرة أو شكل، بل أن تطلق كل ما في ذهنك من أفكار على آلتك الكاتبة، وهي تقترح عليك أن تصحو كل يوم وتتوجه مباشرة إلى مكتبك (يكون من الأفضل أن تعد قهوتك من المساء، وتتركها في وعاء يحفظها ساخنة)، ثم تشرع في كتابة كل ما يرد إلى ذهنك، حتى قبل أن تستيقظ تمام اليقظة، قبل أن تقرأ أي شيء أو تتحدث إلى أي شخص؛ أي قبل أن تسلم زمام عقلك لعالم المنطق والواقع والقوانين والقواعد.
تمرين
مارس الكتابة الحرة يوميا على مدار أسبوع، كل يوم لمدة ربع ساعة فقط. اعتبر نفسك في ماراثون، وتريد أن تحقق رقما قياسيا في إنتاج عدد الكلمات خلال هذه الفترة. اهزم خشيتك من السطحية أو السذاجة، اكتب فحسب، فلن يطلع أحد غيرك على هذه الكتابات، مرن عضلات الكتابة لديك لتكون مستعدا عندما تعمل على مادتك الحقيقية. والاحتمالات كبيرة أن تولد تلك «المادة الحقيقية» من رحم تمارين الكتابة الحرة اليومية، التي يحرص كثير من الكتاب على ممارستها يوميا كل صباح، كأنها تمارين الصباح البدنية تماما.
نصائح ...
من الروائي حنيف قريشي (بريطاني من أصل باكستاني): (1)
اكتب على دفقات، كل منها مدة ربع ساعة على الأقل. (2)
ناپیژندل شوی مخ
خلال دفقة الخمس عشرة دقيقة، لا تفكر على الإطلاق، اكتب فحسب. (3)
اكتب كما لو أنك شخص آخر.
في مديح الأسئلة الصغيرة
إذا كان يمكنك مع الكتابة الحرة أن تنطلق في الكتابة من الفراغ تقريبا، دون تفكير أو حكم بأهون قدر؛ فإنك ستكون بحاجة إلى أداة أخرى توفر لك درجة أكثر تقدما من العمل على مادتك الأولية وتطويرها. يمكنك أن تسمي هذه الأداة الأخرى بالكتابة المتشعبة أو التوسعية أو حتى طريقة «الأسئلة الصغيرة» ... كما تشاء. مع هذه الأداة تنطلق في الكتابة بناء على شيء ما سابق بين يديك: عبارة، فكرة مجردة، فقرة مكتوبة سلفا ... إلى آخره. وعلى خلاف الكتابة الحرة، تكون لديك هنا درجة أعلى من السيطرة على المادة التي تكتبها، تتدخل بوعي وقصد وتحدد مسارها؛ ولكن لا داعي أيضا للتقييم أو الحكم المعوقين للتدفق، ويكمن كل دورك في تحفيز خيالك بانتظام عن طريق مواصلة طرح الأسئلة «الصغيرة».
لنفترض مثلا أنك أمام جملة ما، ولا تعرف كيف يمكنك البناء عليها والمضي بها نحو النص أو العالم الذي تحاول استكشافه، ولنأخذ مثالا بسيطا: «ذهب أحمد إلى المدرسة.» إنها جملة بسيطة ومضحكة قليلا. يتمثل دورك الآن في أن تخرج من هذه الجملة بأكبر عدد ممكن من أدوات الاستفهام، مثل: من أحمد؟ ماذا فعل؟ لماذا فعل كذا؟ ومن المفعول؟ وكيف كان هذا؟ ومتى؟ وأين؟ وبماذا كان يفكر؟ وما الذي ترتب على هذا؟ إلى آخر هذه الأسئلة الصغيرة التي يمكنك اشتقاقها من جملتك البسيطة. قد نجد مثلا أن: (1)
أحمد عامل نسيج متوسط العمر. (2)
قد ذهب إلى المدرسة الليلية لمحو الأمية في دار المناسبات في مركز البلدة. (3)
ذهب بعد أن فرغ من صلاة العشاء مباشرة. (4)
فقط ليرى معلمة محو الأمية؛ الأرملة الشابة الجميلة ...
يمكنك أن تستكمل هذا المثال، أو أن تعيد الإجابة عن الأسئلة نفسها على هواك؛ والاحتمالات - كما صرت تعلم الآن جيدا - بلا نهاية تقريبا.
ناپیژندل شوی مخ
إشارة
الكتابة الحرة وطريقة الأسئلة الصغيرة أداتان مختلفتان، لكنهما متكاملتان مع هذا، فما قد تخرج به من نوبات الكتابة الحرة من مواد خام أولية، لا رابط أو ضابطا يحكمها، يمكنك العمل عليها بعد ذلك بطريقة طرح التوسع التدريجي هذه. كل ما عليك هو أن تطرح أكبر عدد ممكن من الأسئلة الصغيرة على جملتك أو مادتك المكتوبة، وتجيب عنها بإجابات غير متوقعة، فلا تتبع السكك المطروقة والمعبدة، غامر وجازف واكتشف وفاجئ نفسك لكي تستطيع أن تفاجئ قارئك بكل مدهش وغريب؛ فليس من الضروري بالمرة أن يكون أحمد ذلك هو تلميذا في المدرسة الابتدائية، بل يمكنه حتى أن يكون فراشا في المدرسة ذاتها، أو ولي أمر أحد التلاميذ تم استدعاؤه لمشكلة ما، أو معلما على المعاش ما زال يتردد من وقت إلى آخر على المكان الذي احتل ثلاثة أرباع حياته، والاحتمالات ... حسنا، لا داعي لتكرارها.
خبرة
يستعين بالأسئلة الصغيرة في كتابة رواياته الروائي الكندي السيريلانكي الأصل «مايكل أونداتجي»، صاحب الرواية الجميلة والشهيرة «المريض الإنجليزي»، التي تحولت إلى فيلم أكثر شهرة بالعنوان نفسه، يقول: «لا تكون في ذهني أية موضوعات كبيرة.» وسوف تسمع هذه العبارة تتردد على ألسنة كتاب كبار آخرين، وبدلا من الانطلاق من سؤال ضخم من نوعية: ما الشخصية التي يمكن لها أن تفتن القراء؟ أو ما أهم أحداث القرن العشرين؟ فإنه يجلس ليتأمل بضعة أحداث صغيرة ومحددة، مثل تحطم طائرة، أو مريض مغطى بكامله بالضمادات البيضاء يتحدث إلى ممرضة جميلة بجانبه، ثم يبدأ أونداتجي يسأل نفسه: من هذا الرجل؟ كيف أتى إلى هنا؟ لماذا تحطمت طائرته؟ في أي عام حدث هذا؟ ومن هذه الممرضة؟ ألها حبيب؟ ومن خلال إجاباته على كل تلك الأسئلة الجزئية الصغيرة - بحسب قوله - «تتجمع تلك الشذرات، أو قطع الفسيفساء الصغيرة، بعضها إلى بعض، فيصير بوسعك اكتشاف ماضي تلك الشخصيات، أو أن تبتكر ماضيا لبعضها.»
تمرين
اطرح على نفسك تلك الأسئلة الصغيرة وأجب عنها فورا بينما تكتب، تشعب مع جملتك في كل اتجاه ممكن لتبني حولها كتلة من العلامات والروابط والصلات، وستكون الكتابة المتشعبة هذه هي أداتك النافعة حين تريد كسر قيد جملة مصمتة لا تريد أن تلين أمام رغبتك في الكتابة، ومع ذلك تجدها جميلة ومغوية بالسير خلفها. مارس طريقة الأسئلة الصغيرة لفترة حتى تتقن استخدامها كأداة عمل. اختر جملا سابقة لك، منتزعة من سياقها، أو من نصوص لكتاب آخرين بصورة عشوائية - هذه ليست سرقة ما دمنا في إطار التمرينات - تلمس الفجوات الموجودة فيها، واطرح عددا من الأسئلة «الصغيرة» حول عناصرها ومفرداتها، وأجب عنها إلى أن تتحول تلك الجملة الأولى إلى شيء مختلف. ليس من الضروري أن ينتج عن هذه التمرينات شيء له قيمة أدبية، فما هي إلا تمرين لعضلاتك الكتابية، ولكي تتسلح بتلك الأداة حينما يأتي وقت الجد، الذي صار وشيكا.
نصيحة
في نصائحه المعنونة «كيف تكتب رواية في 100 يوم أو أقل»، كتب جون كوين: «على الرغم من عدم وجود قواعد بشأن أفكار القصص، فإني سأقدم لكم تحذيرا صغيرا: تناولوا الأفكار الصغيرة. من أسوأ الأخطاء التي قد يبدأ بها روائي العمل على روايته، هو الاستعانة بالأفكار الكبيرة في محاولة للتوصل إلى قصة تختزل العالم كله بداخلها، على اعتقاد أنه كلما كانت الفكرة أكبر كانت أفضل؛ وهذا ليس صحيحا، فلتكن فكرة قصتك صغيرة ومركزة. انبش في روحك المبدعة عن قصة صغيرة لها مغزى عميق عندك أنت، فكلنا أبناء في عائلة إنسانية واحدة، وإذا أبدعت قصة ذات مغزى عميق بالنسبة إليك، فغالبا ما ستكون كذلك بالنسبة إلى الآخرين.»
كن صياد فراشات
مقتطف
ناپیژندل شوی مخ
من الممكن أن يحدث عرضا - ولو للحظات عابرة ليس أكثر - أن نجد الكلمات التي سوف تفتح أبواب كل تلك المنازل الكثيرة بداخل رءوسنا، وتعبر عن شيء ما - ليس الكثير، ولكن شيء ما - من حشد المعلومات الذي يلح علينا من كل جانب، شيء مثل الطريقة التي يطير بها غراب، وكيف يسير رجل ما، ومنظر الشارع، وما فعلناه ذات يوم قبل عشرات السنين.
الشاعر الإنجليزي «تيد هيوز»
شكرا سيد هيوز، والآن ليس المقصود من عنوان هذا المقال أن تمارس هواية صيد الفراشات حقا كما كان يفعل الروائي الروسي الأصل فلاديمير نابوكوف، ولا بالمعنى المجازي الذي قد تجده في عنوان رواية جون فاولز «جامع الفراشات»، والتي تحكي قصة شاب مختل نفسيا، يختطف فتاة بعد أخرى ويحبس كلا منهن في قبوه؛ فقط ليصادقها. إننا نتكلم عن الأفكار، واسمح لنا أن نطلق عليها مجازا «فراشات»، وأنت الآن صيادها المخلص الذي يمارس هوايته تلك ليل نهار، بصرف النظر عن مكانه أو صحبته أو حالته الذهنية؛ فلا يحتاج صيد الخواطر للتفرغ أو لاعتزال الناس والتوغل في البراري والغابات .
هل تتذكر القول المبتذل القديم بأن الأفكار ملقاة في الطرقات، المهم أن نعرف كيف نلتقطها ونصنع منها شيئا؟ أحب أن أبشرك بشيء، هذا القول صحيح مائة في المائة؛ يمكنك العثور على أفكار قصائد وقصص وروايات وكتب غير سردية وأفلام ومسلسلات في كل ركن من حولك، في بيتك وبين أهلك، في الشارع وزحام المواصلات، في مكان عملك، في المقاهي وأماكن الترفيه، على شاشة التليفزيون، بين صفحات الكتب (لا نتحدث عن الاقتباس هنا؛ فهذه قصة أخرى)، وعلى صفحات المواقع الإلكترونية حاليا بطبيعة الحال؛ ما يهم هنا هو أن تنمي لديك - بالممارسة - تلك العين اليقظة التي تستطيع تمييز الفراشة الملونة الصغيرة من بين ركام الحياة اليومية وزحامها بعشوائيتها ونشازها، ثم أن تعمل - فيما بعد - على تغذيتها وتطويرها إلى أن تتحول الفراشة ذات يوم إلى شيء آخر: كرنفال أو كاتدرائية أو حتى غرفة لشخصين.
تمرين
اكتسب عادة تحويل كل شيء حولك إلى قصة صغيرة في خيالك، دون أن تضطر لكتابتها حتى، مستعينا على الدوام بالسؤال السحري: «ماذا لو؟» ماذا لو أن هذا الرجل كان في شبابه يعمل مرشدا للشرطة؛ ولذلك فلا أحد يطيقه الآن على الرغم من كبره وعجزه؟ ماذا لو أن هذا الميدان في الحي الراقي احتلته فرقة سيرك جوالة على الرغم من الفيلات والسفارات المحيطة به؟ ماذا لو أن عمتي المتدينة الطيبة ورثت فجأة ثروة حقيقية؟ وهكذا، إلى ما لا نهاية. بدلا من أن تسب وتلعن إشارة المرور، أو تقلب بصرك في وجوه المزدحمين بالمترو منزعجا، العب بخيالك معهم، ابتكر، اخلق، واسرح مع المفتاح الذهبي: «ماذا لو؟»
حصالة الأفكار
اعثر على طريقة للاحتفاظ بأفكارك: دفتر صغير، صندوق ورقي، ملف على الكمبيوتر، أي شيء يضمن لك عدم تبخرها في الهواء. سوف ترجع إلى حصالتك هذه من حين إلى آخر لتمسح الغبار عن خواطرك القديمة؛ لعلك تجد من بينها ما هو جدير بوقتك ومجهودك والعمل عليه نحو إنتاج نص جديد رائع. بعد تدوين فكرتك - أفكارك الصغيرة - ولو في سطر أو سطرين، اركنها، انسها، اصبر عليها لبعض الوقت؛ فالعجين بحاجة لأن يختمر؛ وذلك الوقت تختلف مدته من شخص إلى آخر، ومن نوع أدبي إلى آخر، فلتحدد إيقاعك بنفسك، فلكل فكرة مساحة زمنية كافية للاختمار، ربما يوم أو أسبوع أو شهر، أدعو الله ألا تصل إلى سنوات كما يحدث في بعض الحالات؛ المهم أن تعود إليها في الوقت المناسب وتشرع في العمل عليها وتطويرها قبل أن يتلاشى من داخلك الحماس لها.
تنبيه واجب
حاول أن تتحلى بالحرص والرأفة مع أفكارك، فمهما بدت لك إحدى الفكر لأول وهلة تافهة وغير جديرة بالتعب عليها، فلتسارع إلى تدوينها ما إن تخطر لك، أين دفترك الصغير وقلمك؟ لا تنسهما في المرة القادمة من فضلك. لا تعرض عن فكرة خطرت لك مفترضا أنها غير أصيلة ولا جديدة بما فيه الكفاية، فأصالة الأفكار مسألة نسبية تماما، بل إن البعض يدعي أنه لا توجد فكرة جديدة أو أصيلة بالمرة، وأننا لا نفعل في الحقيقة غير إعادة إنتاج ما سبق علينا، مضيفين فقط أسلوبنا ورؤيتنا ولحظتنا الخاصة، فهل غادر الشعراء من متردم؟! احتفظ إذن بفكرتك مهما بدت متكررة ومبتذلة، واكتشف منظورك الخاص لها فيما بعد؛ فلا يوجد اثنان على وجه الأرض - فضلا عن كاتبين - لهما وجهة نظر متطابقة في أي تجربة حياتية أو موضوع ما، قلب الفكرة «المعروفة» على جميع جوانبها حتى تعثر على الباب الذي لم يدخل منه أحد قبلك قط. هذا الباب موجود بداخلك؛ لأنك مختلف، لأنك نسخة فريدة من النموذج الإنساني، كل ما عليك هو أن تعثر على ذلك الباب وتفتحه بمفتاحك الخاص، وتدخل منه غير هياب ولا متردد.
ناپیژندل شوی مخ
تصحيح
علمونا خطأ أن الشرود عادة غير طيبة، في فصول الدراسة وعند عبور الشارع وربما في كل وقت أو مكان؛ هذا غير صحيح، اكتسب عادة الشرود، كلما استطعت إليه سبيلا، إلا عند ممارستك عملا خطيرا، قد يهدد شرودك في أثنائه حياتك أو حياة آخرين. لكن على وجه العموم، يعد الشرود حديقة تسع جميع أنواع الفراشات التي نبتغيها ونسعى وراءها، ويمكنك اصطيادها جالسا في مكانك، منصتا للضجيج من حولك، مبتسما، ومستسلما لخيالك الذي ينشط في مطاردتها واللحاق بها.
أنت بستاني أفكارك
حلم موجه
في جامعة كولومبيا، قبل عقود عديدة، وفي أحد فصول تدريس الكتابة السردية، كان يجلس صامتا وشارد اللب شاب أسود العينين، لا يبدو عليه الإنصات لما يقال ولا يدون ملاحظات، مكتفيا بالنظر خارج النافذة. ما هو إلا أسبوع واحد بعد انتهاء هذا الفصل الدراسي حتى بدا وكأن هذا الشاب ظهر من العدم، فكتب العديد من القصص التي وجد أغلبها طريقه إلى النشر. ولم يكن هذا الشاب سوى «جي دي سالينجر» صاحب الرواية المدوية «الحارس في حقل الشوفان»، ويبدو أنه كان يهيم في نوع من «أحلام اليقظة الموجهة»؛ فالكتابة وفقا للأرجنتيني «بورخيس»: «ليست إلا حلما موجها.» فكيف توجه حلمك وهو ما زال فكرة في المهد؟
مع الوقت والرعاية
البذرة التي غرستها في خيالك وهمت بها شاردا لأيام أو أسابيع أو ربما شهور، سوف تخرج منها ساق رفيعة للغاية في يومها الأول من الحياة، ساق لا تظن أنها من القوة بحيث يمكنها أن تواجه الحياة وتنجو وتكبر وتزدهر، وتكسوها الأوراق والبراعم، وتستدير في أغصانها البتلات بألوانها وروائحها وعجائبها. لكن، صدق أو لا تصدق، فإن هذا ما سيحدث، فقط لو تعهدتها بالرعاية والمحبة كأي بستاني رقيق القلب.
من أين نبدأ؟
لنفترض أنك الآن قد اصطدت الفراشة؛ أي وضعت يدك على الفكرة التي تود كتابتها، وبعد أن وضعتها جانبا لفترة أخرجتها من بنك الأفكار وقررت أنه قد حان الوقت للعمل عليها، من أين تبدأ؟ ولعلنا نجد جوابا مبدئيا في شرود «سالينجر» مع أحلام يقظته الموجهة؛ ومع ذلك يظل السؤال قائما: ماذا بعد الهيام مع الفكرة وتأملها في خيالاتنا؟
من ناحية يقول البعض: إنه ليس من المهم تحديد من أين نبدأ، لكن المهم أن تبدأ، ولو من أي نقطة. ومع ذلك فهناك دائما بعض الاقتراحات والحلول؛ فإذا كنت قد قمت بصياغة فكرتك في عبارات قليلة، على طريقة ملخصات الأفلام كما تتم كتابتها في الدعاية أو في نشرات المهرجانات السينمائية، يمكنك الآن العودة لهذه السطور المعدودة وتغذيتها تدريجيا، بإعادة كتابتها؛ على طريقة التوسع التدريجي التي ألمحنا إليها في فصل سابق، بعنوان «في مديح الأسئلة الصغيرة».
ناپیژندل شوی مخ