إنني لا أثق بالعقاقير، والعلاج الذي ألجأ إليه إذا مرضت إنما هو الصوم والاستحمام بالماء الحار، ومع ذلك فإنني أحترم فن الطب والجراحة احتراما عظيما، وأعتبره فوق سائر الفنون، فإن صناعة المحاماة صعبة المراس على الإنسان؛ لأنها تستدعي تشويه الحقيقة ومزج الحق بالباطل، وإذا اعتاد المحامي على سروره بانتصار الباطل على الحق، كانت عاقبته وخيمة؛ لأن تلك النقيصة تنتهي بعجزه عن التفريق بين الحسن والقبيح والعدل والظلم والحق والباطل. وكذلك فن السياسة، فإن المشتغل به لا بد له من ذمة تسع كل شيء، وكذلك رجال الدين يتحول صلاحهم إلى فساد وخيرهم إلى شر، فيصيرون مرائين ومنافقين؛ لأن الناس ينتظرون منهم أكثر مما يستطيعون إتيانه من الخير، أما الجنود فهم لصوص وقتلة. ولكن الواجب الذي يقوم بتأديته الطبيب والجراح هو واجب إصلاح الجسم البشري، وهو بلا ريب واجب أسمى من أعمال الذين يسببون الشقاق بين الناس ويشعلون نيران الحروب (1815).
آبوت، ص559
الخطباء والمنطق
إن الخطباء البلغاء الذين يديرون دفة المجامع والمجالس السياسية يكونون في الغالب من المتوسطين في فن السياسة، والأولى ألا يعارضوا في أقوالهم؛ لأن لديهم من الألفاظ والمعاني والأصوات الجهورية ما يغلبون به من يعارضهم، ولا يمكن الفوز عليهم إلا بالجدل المنطقي؛ لأن قوتهم كائنة في الخيال؛ فهم على الدوام يلجئون إلى النظريات المبهمة لإثبات أقوالهم، وكلهم قوالون، ويندر بينهم الفعالون، فخير وسيلة للفوز عليهم إقناعهم بالحوادث الواقعة والحقائق الواضحة، وقد حدث لي أنني كنت ألقى في المجلس خطباء فصحاء نصيبهم من البلاغة والبراعة في تزويق الكلام أوفر من نصيبي، ولكنني كنت على الدوام أغلبهم وأقنعهم بدليل بسيط وهو مجموع اثنين واثنين أربعة.
مونتولون، ص187، جزء 3
آراء بونابرت في محمد والإسلام
لقد ظهر محمد في وقت كان الناس فيه محتاجون إلى من يهديهم إلى عبادة إله واحد، وقد يمكن أن تكون جزيرة العرب قضت حينا من الدهر في الحروب الأهلية التي تورث الشجاعة.
إن محمدا بعد موقعة بدر صار بطلا عظيما في نظر قومه، وقد استطاع أن يقوم بعد ذلك بأعمال كبرى؛ لأن الرجل وإن كان رجلا لا يزيد ولا ينقص، فقد يمكنه أن يدهش العالم بما يتم على يديه، هذا إذا كان الوسط الذي حوله مستعدا لقبول عمله، أما إذا كان الوسط مغايرا له في الطباع والأميال، فقد يكون الرجل كالشعلة في وسط الشجر الأخضر لا تؤثر فيه، وأنا أعتقد أن محمدا لو بعث اليوم (سنة 1817) في جزيرة العرب لما استطاع أن يقوم بما قام به منذ اثني عشر قرنا، ولكنه في عهده استطاع في عشر سنين أن يفتتح نصف العالم المعروف مع أن الدين المسيحي احتاج إلى ثلاثة قرون حتى استتب له الأمر. إن الدين المسيحي دين عويص لا يفقهه أهل الشرق بسرعة، فهم يحتاجون إلى دين أكثر وضوحا وأقل تعلقا بالسماء من دين المسيح.
جورجو، ص48
بونابرت ووشنطون
ناپیژندل شوی مخ