| وربما قضى عليك بالذنب فكان سببا في الوصول معصية أورثت ذلا وافتقار خير من طاعة أورثت عز واستكبارا نعمتان ما خرج موجود عنهما ولا بد لكل مكون منهما ، نعمة الايجاد ونعمة الإمداد أنعم عليك أولا بالإيجاد ثانيا بتوالي الإمداد ، فاقنك لك ذاتية ورود الأسباب مذكورات لك ثم خفى عليك منها والفاقة الذاتية لا ترفعها العوارض ، خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك ، وترد فيه إلى وجود ذلتك ، متى أوحشت من خلفه ، فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الإنس به ، متى أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك ؛ العارف لا يزول اضطراره ولا يكون مع غير الله قراره ، أنار الظواهر بأنوار آثاره ، وأنار السرائر بأنوار أوصافه لأجل ذلك أقلت أنوار الظواهر ولم تأفل أنوار القلوب والسرائر ولذلك قيل :
أن شمس النهار تغرب بالليل
وشمس القلوب ليست تغيب
ليخفف ألم البلاء عليك علمك بأنه سبحانه هو المبلى لك ، فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الاختيار من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره ، لا يخاف عليك أن تلتبس الطريق عليك وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك ، سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور البشرية وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ، لا تطالب ربك بتأخر مطلبك ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك ، متى جعلك في الظاهر ممتثلا لأمره ورزقك في الباطن الاستسلام لقهره ، فقد أعظم المنة عليك ، أليس كل من ثبت تخليصه ، لا يستحقر الورد الا جهول ، الوارد يوجد الدار الآخرة والورد ينطوي بانطواء هذه الدار ؛ وأولى ما يعتني به ما لا يخالف وجوده ، الورد هو طالبه منك والوارد أنت تطلبه منه وأين ما هو طالبه منك مما هو مطلبك منه ، ورود الإمداد بحسب الاستعداد ، وشروق الأنوار على حسب صفاء الأسرار ، الغافل إذا أصبح ينظر ماذا يفعل والعاقل ينظر ماذا يفعل الله به ، إنما يستوحش العباد والزهاد من كل شيء لغيبتهم عن الله في كل شيء فلو شهدوه في كل شيء لم يستوحشوا من شيء ، أمرك في هذه الدار بالنظر في مكنوناته وسيكشف لك في تلك الدار عن كمال ذاته ، علم منك أنك لا تصبر عنه فأشهدك ما برز منه لما علم الحق منك وجود الملل لون لك الطاعات وعلم ما فيك من وجود الشره فحجرها عليك في بعض الأوقات ليكون همك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم الصلاة طهورة للقلوب من أدناس الذنوب واستفتاح لباب الغيوب ، الصلاة المناجاة ومعدن المصافاة تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار ، علم وجود الضعف منك فقلل إعدادها وعلم احتياجك إلى فضله فكثر أمدادها متى طلبت أرجعك إليك ولا تفرغ مدائحك أن أظهر جوده عليك ، كن بأوصاف ربوبيته متعلقا وبأوصاف عبوديتك منحققا منك أن تدعى ما ليس لك مما للمخلوقين ، أفيبيح لك أن تدعى وصفه وهو رب العالمين كيف تخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من نفسك العوائد ، ما الشأن وجود الطلب إنما الشأن أن ترزق حسن الأدب ، ما طلب لك شيء مثل الاضطرار ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذلة والافتقار ، لو أنك لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبدا ، ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعمته فوصلك إليه بما منه إليه ، لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلا للقبول أنت إلى حله إذا أطعته أحوج منك إلى حله إذا عصيته ، الستر على قسمين ستر عن المعصية وستر فيها فالعامة يطلبون من الله الستر فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق والخاصة يطلبون من الله الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحق من أكرمك إنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك ، ما صحبك إلا من صحبك وهو يعيبك وهو يعيبك علم وليس ذلك إلى مولاك الكريم ، خير من تصحب من يطلبك لا لشيء يعود منك إليه لو أشرق لك نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب إليك من أن ترحل إليها ولرأيت محاسن الدنيا قد ظهرت كسفة الفناء عليها ما حجبك عن الله وجود موجود معه إذ لا شيء معه ولكن حجبك عنه توهم موجود معه ، لولا ظهوره في المكونات ما وقع عليها وجود صفاته اضمحلت مكوناته ، أظهر كل شيء لأنه الباطن
مخ ۲۸۵