والله إني لأعرف أقواما لو علموا أن سف التراب يقيم من أود أصلابهم لجعلوه مسكة لأرماقهم، إيثارا للتنزه عن العيش الرقيق الحواشي. والله إني لبعيد الوثبة، بطيء العطفة إنه والله ما يثنيني عليك إلا مثل ما يصرفني عنك، ولأن اكون مملقا مقربا أحب إلي من أن أكون مكثرا مبعدا. والله ما نسأل عملا لا نضبطه ولا مالا إلا ونحن أكثر منه، وإن الذي صار في يدك قد كان في يد غيرك، فأمسوا والله حديثا، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا. فتحبب إلى عباد الله بحسن البشر، ولين الحجاب؛ فإن حب عباد الله موصول بحب الله، وهم شهداء الله على خلقه، وأمناؤه على من اعوج عن سبيله.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال:
استبطأني جعفر بن يحيى، وشكا ذلك إلى أبي، فدخلت عليه- وكان شديد الحجاب- فاعتذرت إليه وأعلمته أني أتيته مرارا للسلام فحجبني نافذ غلامه. فقال لي وهو مازح: متى حجبك فنكه. فأتيته بعد ذلك للسلام فحجبني، فكتبت إليه رقعة فيها:
جعلت فداءك من كل سوء
إلى حسن رأيك أشكو أناسا
يحولون بيني وبين السلام
فما إن أسلم إلا اختلاسا
وأنفذت رأيك في نافذ
فما زاده ذاك إلا شماسا
وسألت نافذا أن يوصلها ففعل، فلما قرأها ضحك حتى فحص برجليه وقال: لا تحجبه أي وقت جاء. فصرت لا أحجب.
وحجب أحمد بن أبي طاهر ببا بعض الكتاب فكتب إليه:
ليس لحر من نفسه عوض، ولا من قدره خطر، ولا لبذل حريته ثمن. وكل ممنوع فمستغنى عنه بغيره، وكل مانع ما عنده ففي الأرض عوض منه، ومندوحة عنه. وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه.
مخ ۵۷۴