صيغ المبالغة كالأكول ونحوها موضوعة لتلبس الذات بالمبدإ كثيرا ، فالبكاء معناه من يصدر منه هذا المبدأ كثيرا ، ويصح إطلاقه على المتصف بهذه الصفة ولو كان حين الإطلاق ضاحكا ، والأكول مدلوله من يأكل كثيرا حينما يأكل ، ويصح إطلاقه على المتصف بهذه الصفة ولو لم يكن مشتغلا بالأكل ، فإذا زال عن البكاء والأكول هاتان الصفتان بأن عرض للأول ما أوجب قلة بكائه وللثاني ما أوجب قلة أكله ، يدخل في محل النزاع ، فمادة «بكى» و «أكل» في جميع المشتقات بمعنى واحد ، وإنما الفرق من ناحية الهيئة ، لا أن مادة «باكي» معناه البكاء ، ومادة «بكاء» كثرة البكاء.
ومن هذا القبيل النجار والخياط ونحوهما ، إذ النجار من ينجر كثيرا ، والخياط من يصدر منه الخياطة كثيرا.
وأما غير صيغ المبالغة من مثل التاجر والقاضي والكاتب ونحوها مما يدل على الحرف والصناعات ، فموادها أيضا لا تكون مختلفة في المعنى مع سائر مشتقاتها ، فالكاتب مادته وهو الكتب كسائر مشتقاتها في المعنى من كتب ويكتب ومكتوب وغير ذلك ، إذ لا نجد بالوجدان فرقا بينها في مادتها ، وإنما هيئة الفاعل تدل على قيام المبدأ بالذات في الجميع ، يعني في مثل الكاتب والتاجر والقاضي ، ومثل الآكل والشارب والقاعد والقائم ، غاية الأمر أنحاء القيام مختلفة.
ففي مثل الآكل والشارب يكون القيام قياما فعليا ، وفي مثل
مخ ۱۴۱