والفَرْضُ في القِبْلَةِ إِصَابَةُ العَيْنِ. فَمَنْ قَرُبَ مِنْها، أَوْ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُوْلِ ﷺ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِيَقِيْنٍ، وَمَنْ بَعُدَ عَنْهَا، فَبِالاجْتِهَادِ.
وَقَالَ الْخرْقِي (١): يَجْتَهِدُ إلى جِهَتِهَا في البُعْدِ (٢).
فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ؛ صَلَّى بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَجْتَهِدْ.
وَإِذَا كَانَ في السَّفَرِ، واشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ القِبْلَةُ؛ اجْتَهِدَ في طَلَبِهَا بالدَّلاَئِلِ مِنَ النُّجُومِ، وأَثْبَتَهَا الْجَدِي - وَهُوَ نَجْمٌ خَفِيٌّ يُعْرَفُ مَكَانُهُ بالفَرْقَدَيْنِ لأَنَّهُمَا دُوْنَهُ (٣) - فَإِذَا جَعَلَهُ الْمُصَلِّي حِذَاءَ ظَهْرِ أُذُنِهِ الْيُمْنَى عَلَى عُلُوِّهَا؛ كَانَ مُتَوَجِّهًا إلى بَابِ البَيْتِ (٤).
والشَّمْسُ، وَهِيَ تَطْلُعُ أَبَدًا مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَتَغْرُبُ حِذَاءَ حَرْفِ كَفِّهِ الْيُمْنَى.
والرِّيْحُ الْجَنُوب تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً لِبَطْنِ كَفِّ الْمُصَلِّي الأَيْسَرِ، مَارَّةً مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ إلى يَمِيْنِهِ. والشَّمَالُ مقابلتها (٥) تَهُبُّ مِنْ يَمِينِهِ، مَارَّةً إلى مَهَبِّ الْجَنُوْبِ. والدَّبُوْرُ (٦) مُستَقْبِلَة شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الأَيْمَن. والصَّبَا (٧) مُقابلتها تَهُبُّ مِنْ ظَهْرِ الْمُصَلِّي. والْمِيَاهُ تَجْرِي مِنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلى يَسْرَتِهِ عَلَى انْحِرَافٍ قَلِيْلٍ؛ كَدِجْلَةَ، والفُرَاتِ، والنَّهْرَوَان. ولا اعْتِبَارَ بِالأَنْهَارِ الْمُحْدَثَةِ، ولا بِنَهْرٍ بِخُرَاسَانَ، ولا بالشَّامِ يَمْشِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَقْلُوبَ؛ لأَنَّهُ يَجْرِي مَاؤُهُ / ٢٣ و/ مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي إلى يَمْنَتِهِ.
وَالْجِبَالُ، فَأَوْجُهُهَا جَمِيْعًا مُستَقْبِلَةً لِلْبَيْتِ.
وَالْمَجَرَّةُ (٨)، وتُسَمَّى شَرَجَ السَّمَاء؛ تَكُوْنُ أَوَّلَ اللَّيْلِ مُمْتَدَّةً عَلَى كَتفِّ الْمُصَلِّي الأَيْسَر إلى القِبْلَةِ، ثُمَّ يَلْتَوِي رَأْسُهَا؛ حَتَّى يَصِيْرَ في آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى كَتِفِهِ الأَيْمَن. فَاعْرِفْ ذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ؛ صَلَّى، ولا إِعَادَةَ عَلَيْهِ؛ وإِنْ أخْطَأَ القِبْلَةَ.
وإِذَا اجْتَهَدَ رَجُلانِ في القِبْلَةِ، واخْتَلَفَا؛ لَمْ يَتَّبِعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. وَيَتَّبِع الْجَاهِلُ بِهَا،
_________
(١) هُوَ أبو القاسم عُمَر بن الْحُسَيْن بن عَبْد الله بن أحمد الخرقي، نِسْبَة إلى بيع الخرق، كَانَ من سادات الفُقَهَاء والعباد، لَهُ المختصر. انظر: طبقات الحنابلة ٢/ ٦٤، ووفيات الأعيان ١/ ٤٤١، والمنهج الأحمد ١/ ٣٥٨، ومختصر طبقات الحنابلة: ٣١.
(٢) انظر: المغني ١/ ٤٥٦.
(٣) انظر: اللسان ١٤/ ١٣٥ (جدا) و٣/ ٣٣٤ (فرقد).
(٤) هَذَا إذَا كَانَ بالعراق، كَمَا جاء في المغني ١/ ٤٦٠ - ٤٦١، وكذلك كُلّ الدلائل الآتية.
(٥) أي: مقابلة لريح الجنوب.
(٦) الدبور: ريح تهب من نَحْو المغرب. انظر: اللسان ٤/ ٢٧١ (دبر).
(٧) الصبا: ريح تهب من ناحية المشرق. انظر: اللسان ٤/ ٢٧١ (دبر).
(٨) المجرة: البياض المعترض في السماء. انظر: التاج ١٠/ ٤٠٠ (جرر) والمعروفة حديثًا بـ: مجرة درب التبانة.
1 / 80