كلية الدعوة والإعلام - جامعة الإمام بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ، فإن الله تبارك وتعالى شرع لعباده دينا قويما وهداهم صراطا مستقيما من اتبعه رشد واهتدى ، ومن ضل عنه فقد خسر خسرانا مبينا ، وهذا الدين الذي بعث الله به سيد المرسلين دين خاتم مهيمن على جميع الأديان قبله ، وهو رسالة الله الخاتمة إلى جميع الثقلين إلى قيام الساعة ، واقتضى ذلك أن يكون في هذه الرسالة من الخصائص والسمات ما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان إلى جميع أمم الأرض ، وأعظم هذه الخصائص وأجلها السماحة واليسر في كل شأن من شئون الحياة في العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب مع المسلمين وغير المسلمين ، وسماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين أحد الموضوعات الثرية بالمادة العلمية وقد حظيت باهتمام العلماء قديما وحديثا ومن ينظر في كتاب أحكام أهل الملل للخلال وأحكام أهل الذمة لابن القيم مثلا يجد ذلك جليا ظاهرا ويجد رصيدا حضاريا هائلا تزخر به كتب الفقه الإسلامي في أحكام غير المسلمين كما أن هناك العديد من البحوث والدراسات الحديثة في هذا الشأن . وهذه أحد صور عظمة الإسلام في واقعيته وعالميته ، فقد قضى الله سبحانه وتعالى وقدر أن لا يؤمن أهل الأرض كلهم وله الحكمة التامة في ذلك والحجة البالغة ، قال تعالى: { وربك يخلق ما يشاء ويختار } (1) ، وقال تعالى: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } (2) ، وقال تعالى : { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } (3) . ولا يتصور مع بقاء الكفر على الأرض ، ومع وجوب تبليغ الدعوة إلى الناس كلهم لا يتصور مع ذلك أن ينعزل المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات ، ولذلك فإن التشريع الإسلامي نظم علاقة المسلم مع غيره من بني جنسه أفرادا ومجتمعات ووضع الضوابط الكاملة في ذلك داخل المجتمع الإسلامي وخارجه . وهذا البحث يسعى إلى بيان سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين بمختلف أصنافهم ودياناتهم من أهل الكتاب وغيرهم وذلك من خلال الوقوف على هدي القرآن والسنة في ذلك والتطبيق العملي في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان ، وهذه السماحة أخضعت أعناق الباحثين من غير المسلمين ليسجلوا شهاداتهم بأن لا مثيل لحضارة الإسلام في
_________
(1) سورة القصص : 68 .
(2) سورة يوسف : 103 .
مخ ۳