وكان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري أول من تنبه لهذا الخطر الذي يتهدد الخلافة، فجاء إلى معاوية بن أبي سفيان، وخاطبه بتقليل دواعي السرف والترف، وبوجوب الرجوع إلى سيرة السلف، وعدم التمادي في مسببات الحسد.
فأجابه معاوية: يا أبا ذر، إن ما تقوله هو الحق، ولكن ليس في استطاعتي الرجوع إلى سيرة الصديق والفاروق وسيرهما، وغاية ما في إمكاني الحث على بذل الصدقات، والقول اللين إرشادا، وعن طريق الوعظ لتخفيف دواعي الحسد.
فقال أبو ذر: يا معاوية، قد نصحتك والدين النصيحة. فاحذر أنت والخليفة عثمان مغبة ما أنتما عليه. وذهب من مجلس معاوية مغاضبا.
ولكي يسترضيه معاوية بعث إليه ليلا، بألف دينار فقبلها أبو ذر، وفرقها في الحال على المعوزين.
وفي ثاني يوم أرجع معاوية الرسول إلى أبي ذر ليقول له: إن الألف دينار لم ترسل إليك، وإنما غلطت أنا، وإني أخشى عذاب معاوية.
فقال له أبو ذر: والله لم يبق معي من دنانير معاوية ولا دينار.
وضاق معاوية ذرعا بأبي ذر فاستجار بالخليفة عثمان، فأمره هذا بإرسال أبي ذر إليه فأرسله. ولما تقابل أبو ذر مع عثمان لم يسمع منه أكثر مما سمع من معاوية، فقال أبو ذر: يا عثمان، أما تذكر حديث رسول الله؟ ومعناه: إذا وصل البناء إلى سلع، واستعلى في المدينة، وجبت الهجرة. فها قد استعلى بناؤك، وبناء قريبك معاوية وأعوانكما - فأستودعك الله - تاركا لك ولمن استعملت من العمال (أعمالكم)، والله من ورائكم محيط.
فألح عثمان على أبي ذر أن لا يفعل، فقال أبو ذر: إن رسول الله أولى أن يتبع.
وبالفعل قد هاجر هذا الصحابي الجليل من المدينة، حتى لا يرى المال الحرام يرتفع قبابا وقصورا، ويستحيل جنائن غلباء، ودارات مربعة وقوراء، وخيولا عليها البراذغ المفضضة، وسيوفا تنام في أغماد ذهبية استرقت لونها الأصفر من وجوه الرعية اليائسة.
أوانسنا وعوانسنا
ناپیژندل شوی مخ