ولما توارى شيخ الرجاء وتقلص، ولم يرجع الشاعر الهائم بحب الولاية ملكا للعراقيين، عاد فهجا كافورا هجاء مرا، وذلك بعد ما يئس من نيل تلك الوعود الطويلة العريضة التي أسكرته سورتها وجعلته يحلم بالأماني فيطيعه الشعر. وانقضت تلك الهجعة الطويلة وتبددت أحلام الشاعر الذهبية فراح يعير الرجل بسواده الذي تخيله مسكا حين مناه، ولما ذهبت غشاوة الأماني عن عين الشاعر لم ير في كافور إلا ماضيه القاتم فقال فيه:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
صدقت يا أيها الشاعر! وهذا جزاء من يخلف الوعد. يا ليت لنا لسانك لنهجو (كوافيرنا) الذين يشيدون لنا قصورا شاهقة من الوعد، ولكنها مبنية على رمال الغايات ودون الوصول إليها عقبات من المطل والإخلاف لا تمهد.
فما أكثر وعود ناسنا وأقل إنجازها! يعدون ولا يضربون للوفاء أجلا مسمى، ولكنهم يأخذون يتقاذفون الموعود من حين إلى حين. ويكثر عندهم في هذا المجال استعمال السين وسوف، وينورون ظلمة وعودهم بكهرباء الآمال فيأتي الموعود عند كل أجل يقذفه تيار الرجاء بنيل المرام، ولكنه يعود من حيث أتى ظافرا بالتسويف. وهكذا يظل يجيء ويروح معللا نفسه بالفوز وهيهات أن ينال مراما. يجرعونه من المطل كئوسا أمر من العلقم، يفوز منهم بحلو الكلام وينام على فراش من ريش النعام، ولكن يقظته تذهب بحلاوة الأحلام. ولطالما ذابت روح بهاء الدين زهير اللطيفة وتشكي فؤاده الرقيق آلام المطل حتى أنشد هذه الأبيات التي ترسم لنا صورة كل موعود وما يقاسيه من أوجاع الخلف. قال:
قد طال في الوعد الأمد
والحر ينجز ما وعد
فوعدتني يوم الخميس
ولا الخميس ولا الأحد
وإذا اقتضيتك لم تزد
ناپیژندل شوی مخ