لقد كان مجرد مريض من ضمن المئات الذين يزورونني في عيادتي بحثا عما يريح نفوسهم المضطربة، ويفك لهم طلاسم ذواتهم المعقدة كما شاء لها الله، بحثا عن علة ما.
فلماذا أهتم به هو بالذات!
لا أعرف، لكن ظل ذلك الدافع الأرعن يقودني للبحث عن المزيد.
قاطع أفكاري دخول ذلك الشاب إلى الغرفة، تقدم نحوي وصافحني بعينين متسائلتين، وهو يقول: «تبحث عني؟» - «أنت إبراهيم آدم؟» - «نعم.»
عرفته بنفسي بإيجاز، وقرأنا الفاتحة على روح «عمار»، قال لي وهو يجلس في السرير المقابل: «لم أكن أعرف أن عمار - رحمه الله - كان يقابل طبيبا نفسيا.»
كان قصير القامة نوعا، أميل للبدانة، له عينان واسعتان حساستان، ووجه أملس خال من الشعر، ومن أول وهلة يثير انطباعا أنثويا مبهما لمن يقابله.
قلت له: «نحن نتفهم المرض العضوي ونحترم الأطباء، ربما لدرجة الانبهار والتقديس أحيانا، لكننا لا نفهم المرض النفسي. نراه ضربا من الشعوذة وتلبسا شيطانيا، ينتمي لعوالم الشيوخ والأحجبة والأعمال السحرية المدفونة وكل طقوس كهنة الفودو في الكاريبي، وليس إلى الطب المادي الحديث. لا تزال نظرة مجتمعنا للطب النفسي قاصرة، فكل الذين يترددون على عياداته يوصفون بالجنون أو البرجوازية أو كلاهما. ربما لم يخبرك لمثل هذه الأسباب.»
هز رأسه في ملل واضح مؤمنا على كلامي، وهو يرمقني بنفس العينين المتسائلتين، كانت عيناه الحساستان تعبران عما يحتشد في ذهنه من تساؤل، قلت له بسرعة حتى لا يجرفه خياله: «قالوا لي إنك كنت من أقرب أصدقائه، قدمت لأسألك إذا كنت تعرف أحدا من أقاربه حتى أستطيع التواصل معه من أجل ترتيب إجراءات الدفن.»
تفكر قليلا، ثم قال: «كلا في الواقع، لم يكن المرحوم يتحدث عن أهله أو أسرته كثيرا، وكل ما أعرفه عنه أنه من شمال دارفور.» - «ألم يكن هناك أحد يزوره هنا أو في الجامعة؟» - «على قدر علمي: لا.» - «متى قابلت المرحوم آخر مرة؟»
قال: «في اليوم السابق لوفاته، رأيته في الجامعة صباحا وأفطرنا معا، ولم أره بعدها؛ لأنه لم يعد للسكن معنا. اعتقدت أنه يقضي الليلة مع صديق ما.»
ناپیژندل شوی مخ