عينان واسعتان شفافتان بريئتان، شعر أمامهما بأنه وغد جدا، نجس جدا، منحط جدا، ملوث جدا. تلك عيون لم تخلق للبكاء أو التكدر، ولم تر صاحبتهما سوءا طوال حياتها.
عينا ملاك لو كان للملائكة عيون، تحكيان عن البراءة الخام كما خلقها الله.
توقفت بجوارهما، وسألتهما بصوت طفولي عذب جدير بتلك الملامح عن مكتب المسجل. «هل هكذا تبدو رائحة الجنة؟» سأل «عمار» نفسه عندما غمره أريج عطرها، وحين أحس بالرعشة الباردة تسري في جسده، وأخطأ قلبه عدة خفقات، أدرك أنه نسي - تقريبا - كل شيء عن اللغة العربية في تلك اللحظة.
كيف يتحدث الناس، وكيف تصدر الأصوات؟
نهض «إبراهيم» بسرعة من مجلسه - لم يلحظ ارتباكه لحسن الحظ - وراح يصف لها مكان مكتب التسجيل، وهو يشير بيده الممدودة تجاه الكلية، بينما يحني رسغ راحته يمينا ويسارا؛ لتأكيد الاتجاهات.
كانت تلك المرة الأولى التي التقاك فيها يا سيدتي، وقد تحدث فيما بعد كثيرا، وبإسهاب أثناء الجلسات عن تلك اللحظة، وعن شعوره وقتها باعتبارها لحظة ميلاد جديد بالنسبة له. لم يكن مجرد انجذاب عاطفي، أو حتى جنسي تجاه أنثى ما بالنسبة له، لقد أصابته رؤيتك في صميم الروح.
أعتقد أن تعبير الحب من النظرة الأولى تبسيط مخل للعواطف المعقدة التي بدأ يكنها تجاهك. - «شهادة عربية.»
قالها «إبراهيم» بلهجة تقريرية كأنه يفسر لغزا محيرا، وهو يعود ليجلس في مقعده، وأضاف: «هذا الوجه الناعم الرائق وتلك الملامح البريئة الخالية من أدوات التجميل، من الجلي أنها لم تكتوي بلفح شمسنا الحبيبة من قبل، هذه الفتاة لم تقتحم ازدحام السوق العربي، ولم تتعارك للظفر بمقعد شاغر في حافلات المحطة الوسطى بحري، ولم تضع مستحضرا لتبييض وجهها أو نفخ مناطقها السعيدة. فليقطع ذراعي إن لم تكن من طالبات الشهادة العربية، ربما إحدى دول الخليج كذلك من لهجتها الغريبة.»
قال «عمار» في شرود، وهو يتحسس السوار الأبيض الذي يحيط بمعصمه كالساعة، وقد نقشت عليه كلمات باللغتين العربية والإنجليزية بخط منمق دقيق: «هل تعرف التخصص الذي ستنتسب له؟»
قال «إبراهيم»: «اقتصاد، ستكون معنا في نفس الدفعة يا روميو، اسمها «هبة» بالمناسبة.»
ناپیژندل شوی مخ