أرشف النبيذ، وأرجع بالذاكرة إلى الوراء.
أربع سنوات تحديدا.
كنت جالسا لوحدي في العيادة، أرمق الظلال المتراقصة على جدران المكتب، والتي يرسمها ضوء الأباجورة على سطح مكتبي، وأحدق في الباب حيث خرجت «هبة» في شرود.
تغمرني رائحة عطرها التي ما زالت تفوح في المكان.
صوت نقيق ضفدع في مكان ما يغازل أنثاه، متوسدا أحد المستنقعات الطافحة في الشوارع.
من بعيد، يتناهى إلى مسامعي صوت رصاص يطلق في مكان ما، ثم صمت مطبق، ثم يعاود صوت الرصاص تمزيق هدوء الليل مجددا.
وكأنها ظاهرة ديجا-فو، رحت أحدق مجددا في الظل الماثل أمامي يتشكل من العدم، فأراه واقفا يشد قامته إزائي، ثم ينظر لي بهدوء بوجهه الصلب البارد الخالي من التعابير، ويقول : «برغم كل شيء؛ فقد ساعدتني كثيرا يا دكتور، وإني لك من الشاكرين.»
يختفي الظل، ثم أراه مجددا يقف بجواري قبالة النافذة، يرمق الظلام في الخارج عاقدا يديه خلف ظهره. يرهف السمع في انتباه لصوت غاضب تحمله الرياح من بعيد، يتردد في الأرجاء ويشق سكون الليل:
يا والدة أعفيلي، وعدي القطعتو معاك
إنو الكلام ممنوع، في شلة الحكام
ناپیژندل شوی مخ