فأفرد له مقالا مهما عام 1985م، وكل منهما يركز على الطابع الأسطوري الذي يضفيه شيكسبير على التاريخ الإنجليزي في هذه المسرحية، وهو طابع يقترب بالمسرحية كما يقول فيلبرين من الأبنية القصصية أو السردية القديمة، وكان مثله الأعلى هو الكتاب المقدس، وهو يمثل له أيضا «كوميديا إلهية» تتضمن ألوانا من العذاب والمعاناة حتى تصل إلى إحقاق الحق والعدالة والسلم، أو كما يقول «الحرية الروحية»، فكل سقطة تراجيدية في المسرحية هي، من هذا المنظور، سقطة حميدة لأنها تؤدي إلى تحرير النفس من الالتصاق بالأرض وعرض الدنيا الزائل، وهو يقيم توازيا بين هذه المسرحية و«مسرحيات الأخلاق»؛ أي
morality plays
في العصور الوسطى، فيرى أن وولزي يلعب دور الشيطان (إبليس) أو الرذيلة، وأن كاثرين تلعب دور ملاك الخير مع زوجها هنري الذي يمثل هنا دور ملك خاطئ سبقه عدد كبير من الملوك الخطاة. وفيلبرين إذن يحاول تحديد «النوع الأدبي» الذي ينبغي قبوله حتى نقبل هذه المسرحية، فالسرد عنصر قصصي، والاحتفالات عنصر رومانسي أساسي، ولكنهما يتزاوجان هنا في بناء درامي، وإن كان ذلك الناقد يأخذ على شيكسبير التزامه الشديد بالسياق التاريخي الحقيقي، ويأخذ عليه في الوقت نفسه حذف الكثير من ذلك التاريخ (صفحة 209، من كتاب
Shakespearean Romance ، 1972م).
وقبل أن نعرض لغير هؤلاء من النقاد يحب أن نذكر أن هذه المسرحية التاريخية كانت تتضمن أحداثا وشخوصا معروفة للجمهور؛ ولذلك فإن مقال ليجات يقيم وشائج وثيقة بين الرؤية المثالية للتاريخ التي تضمنت نبوءة كرانمر في آخر المسرحية، والواقع الأليم الذي تصوره الأحداث والشخصيات، وهو يقول إن تحقيق الرؤية في عصر جيمس الأول (وقت كتابة المسرحية) كان أول معنى له هو «فصل الكنيسة عن الدولة» أو إقامة علاقة جديدة بينهما، وهذا هو المعنى الذي كان الجميع يعرفونه آنذاك ولا يعرفه قراء العربية، مما يتطلب بعض الشرح والتفصيل. وعنوان مقال ليجات هو
Henry VIII and (1985) the Ideal England,
Shakespeare Survey , 38 .
تقع أحداث المسرحية في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، وفي وقت لم تكن دول أوروبا الحديثة قد اتخذت طابعها وحدودها المعروفة، بل ولم تكن اللغات الأوروبية الجديدة قد تبلورت بصورة كاملة، وكانت اللغة الإنجليزية تسير في طريق التطور من لغة تشوسر المتوفى عام 1400م حتى وصلت إلى النضج في أيدي كتاب آخر القرن وعلى رأسهم شيكسبير، وكان الجو العام هو ما يوصف بجو التحول من تراث العصور الوسطى إلى عصر النهضة. وقد يجد البعض أن ذلك تاريخ متأخر للنهضة، ولكن هذا هو ما يذهب إليه المؤرخون المحدثون، خصوصا تريفيليان صاحب التاريخ الاجتماعي لإنجلترا، وهو الكتاب الذي استعنت به أكثر من غيره في رسم صورة فترة المسرحية.
ولما كنت أومن، مثل ليجات، بأن جوهر المسرحية لا يكمن في تصوير مأساة فرد بعينه، ولا في علاقة الشخصيات بعضها بالبعض، بل في الجو العام الذي يملي الأحداث إملاء، ويرهص فيه بالتحول من سلطة البابا، رأس الكنيسة الكاثوليكية، إلى سلطة الملك الذي أصبح رأس الكنيسة الإنجليزية؛ ومن ثم التحول من الكاثوليكية تدريجيا إلى البروتستانتية في عصر خلفاء الملك هنري الثامن، فأعتقد أن الفهم الكامل للمسرحية لن يتأتى إلا بإدراك الواقع التاريخي للشخصيات الرئيسية الحقيقية، وعلى رأسها في نظري الكاردينال وولزي، والملك هنري الثامن، وزوجته كاثرين، ثم زوجته الجديدة آن بولين.
ولد وولزي
ناپیژندل شوی مخ