نظر إلي باهتمام للمرة الأولى. «أحقا هو كذلك؟ فأي رواية روسية إذن؟»
كانت عيناه باللون الأزرق الفاتح اللامع المائل للون الرمادي، وقد رفع أحد حاجبيه الذي بدا وكأنه قبعة عسكرية صغيرة.
لم يكن الأمر أنني لم أقرأ روايات روسية على الإطلاق؛ بل إنني في الواقع قد قرأت بعضها بالكامل، في حين أنني قرأت أجزاء من البعض الآخر. لكن بسبب ذلك الحاجب الذي رفعه، وتعبير وجهه الذي شابه بعض اللطف والتحدي أيضا، لم أستطع أن أتذكر أيا من عناوين تلك الروايات سوى رواية «الحرب والسلام»، ولم أكن أرغب في أن أذكر اسم تلك الرواية التي كان سيذكرها أي شخص آخر كان في موقفي. «الحرب والسلام.» «حسنا ما لدينا فقط هنا هو السلام، لكن إن كنت متلهفة للحرب، فأعتقد أنه من الأحرى أن تنضمي لواحدة من تلك الوحدات النسائية وتسافري عبر البحار.»
شعرت بالغضب والإهانة لأنني لم أكن في الواقع أتباهى بذلك أو أتعمد ذلك؛ كل ما هنالك أنني أردت أن أعبر عن مدى تأثير ذلك المنظر الجميل في نفسي.
كان من الواضح أنه من أولئك الأشخاص الذين يعمدون طرح أسئلة شبيهة بالفخاخ للإيقاع بك.
قال فيما يشبه الاعتذار: «كنت أتوقع أن تأتي إلى هنا معلمة عجوز. يبدو الأمر كما لو أنه من حق أي فرد مؤهل بعض الشيء، وفي سن معقول، أن يعود إلى النظام هذه الأيام. إنك لم تدرسي كي تصبحي معلمة، أليس كذلك؟ ما الذي تخططين لعمله عند حصولك على البكالوريوس؟»
قلت في اقتضاب: «أعكف على تحضير رسالة ماجستير.» «إذن، ما الذي جعلك تغيرين رأيك؟» «أعتقد أنني بحاجة لبعض المال.» «تفكير سليم، بالرغم من أنني أخشى أنك لن تجني الكثير من المال هنا. آسف لتطفلي، لكنني فقط أردت أن أتأكد من أنك لن تغادري المكان فجأة. هل تعتزمين الزواج قريبا؟» «لا.» «حسنا، حسنا. إذن أنت ليس عليك أي التزامات الآن، هل أثبطت من عزمك؟»
أشحت بوجهي. «لا.» «عليك الذهاب لمكتب رئيسة الممرضات في الردهة بالأسفل، وستخبرك بكل ما تحتاجين لمعرفته. ستتناولين طعامك مع الممرضات، وستخبرك أيضا بالمكان الذي ستنامين فيه. حاولي فقط ألا تصابي بالبرد. لا أعتقد أن لك أي تجربة مع مرض السل؟» «حسنا، لقد قرأت ...» «أعلم، أعلم. لقد قرأت رواية «الجبل السحري».»
إنه شرك آخر، لكن بدا أنه قد تراجع، وقال: «لقد تغيرت الأمور وتقدمت بعض الشيء عن ذلك، آمل في ذلك. لدي أشياء قد كتبتها بشأن الأطفال هنا ورأيي فيما يمكن أن تقومي به من دور معهم. إنني في بعض الأحيان أفضل التعبير عن نفسي من خلال الكتابة. ستعطيك رئيسة الممرضات كافة المعلومات الأساسية.» •••
لم يمر أسبوع على تواجدي بالمكان حتى بدت كل أحداث اليوم الأول متفردة ولا يحتمل تكرارها مرة أخرى؛ فالمطبخ وغرفة إيداع الملابس التابعة له حيث يحتفظ العمال بملابسهم ويخفون سرقاتهم؛ أضحيا مكانين لم أرهما ثانية، وكان من المحتمل ألا أطأهما فيما بعد. وبالمثل لم يكن من المسموح دخول حجرة الطبيب، وكانت حجرة رئيسة الممرضات هي المكان المناسب لتلقي كل الاستفسارات والشكاوى وإعادة تنظيم الأمور العادية. كانت رئيسة الممرضات قصيرة القامة ذات قوام ممتلئ، وبشرة وردية، وترتدي نظارة بلا إطار، وتتنفس بشيء من الصعوبة. وكان أي شيء يطلبه المرء يثير دهشتها، ويسبب بعض الصعوبات من وجهة نظرها، لكنها في آخر الأمر تقوم بالبت فيه أو توفره. كانت في بعض الأحيان تتناول طعامها في غرفة الطعام الخاصة بالممرضات حيث كان يعد لها نوع من الحلوى، وكانت عادة ما تخلق جوا غير مريح في المكان، ولكنها كانت تبقى معظم الوقت في غرفتها الخاصة.
ناپیژندل شوی مخ