ژوند او فکري حرکت په بریتانیا کې
الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا
ژانرونه
مضت بعد ذلك السنون أيها السادة وتركنا الجامعة، وشبت الحرب وانتهت، واتفق أن قابلت ذلك الملاكم المنتصر في أحد شوارع لندن، وسألته عن أمره، فقال إنه انخرط في الجيش وسرح بعد أن خمدت الحرب، وكان أبوه قد أضاع كل ما كان يملك، وتعطل فلا رزق ولا مال، وأظلمت الدنيا في عينيه، ووطن نفسه بعد أن باع كل ما كان يملك على أن يبدأ حياة جديدة في إحدى المستعمرات، غير أن نظره وقع عفوا ذات يوم على صورة له ومدربه القديم بمكتبه، فتذكر من فوره صيحته له «أن اصمد له واستمر»، وكأنها على حد تعبيره هاتف سماوي يسخر من النفوس المستضعفة، فسرعان ما صمد للحوادث، وما لبث بعد ذلك أن وفق إلى عمل وفقه إليه عزمه وأمله وصبره ومثابرته.
وكم من ليال قضيتها في الصحراء - أيها السادة - وأنا مسهد الجفن، شارد الذهن، حيران لا أدري ماذا أصنع، فهناك حين تبعث إلي الصحراء من جوفها المجهول العاصفة السافية، فتنهد خيمتي وتتعطل أدواتي العلمية، وينضب الماء وينفق الجمل في إثر الجمل، ويسأل الدليل أين نحن؟ فيقول - وهو كالحالم - الله أعلم، هناك حين تنمحي معالم الطريق، ونكاد ننتهي في كل خطوة إلى قبر، وأسمع همهمة من رجال القافلة، هي ولا شك تذمر مكبوت مما تعاني صدورهم من ضيق في هذا المنبسط الرملي الغامض، وتخور قواي ويأخذ مني التعب، فلا أستطيع أن أنقل قدما بعد قدم، وأشعر بأن هذا الفراغ المصفر الفسيح قد استحال إلى طوق حديدي صغير، أخذ يحتوي رقبتي ويضيق عليها شيئا فشيئا، هنالك في أمثال هذه اللحظات، وهي مفارق يسيرة بين حياة مشكوك فيها وموت محقق، هنالك كنت أنتقل من فوق الرمال إلى ملاعبي الرياضية القديمة، وأسكن ساعة إلى ذكريات عزيزة، فأراني قد وقفت من أزمات مواقف تشبه من وجوه موقفي في ذلك القفر الموحش اللانهائي، وأراني قد تغلبت عليها في النهاية وانتصرت، بماذا؟ بالصبر - أيها السادة - والتحمل، وضبط النفس، وهدوء الأعصاب؛ حتى لا يختل تقديري ويشط فكري، فسرعان ما ألمح قبس الأمل يختلج بين عيني، وما ألبث أن أجمع زمامي وأتغلب على ما يعرض لي من صعاب، وأرى القافلة تستأنف مسيرها على هدى، وأرى رجالي وقد سرى إليهم المرح فانطلقوا يغنون ويتضاحكون.
هناك أثر آخر من آثار الرياضة في النفس، وغلبتها على طبيعة الإنسان، حتى في وقت الخطر، فقد حدث عندما أردت أن أهبط مصر طائرا أن انكسرت بي الطائرة في بدء الرحلة، فأصلحتها ومضيت بها، فسقطت في إيطاليا وتحطمت، ثم حلقت في طائرة جديدة أخرى، فسقطت في مياه صقلية، واستخدمت طائرة ثالثة كان من حظها أن سقطت هي أيضا، وعدت إلى مصر على غير متن الهواء؛ لأن رغبة ملكية كريمة اقتضت ذلك، ترون أن الفشل المتلاحق والتعرض لشر الأخطار لم يكونا أبدا ليثنياني عن عزمي، ولعل سر هذا الشعور الغريب ملاحظة عابرة كان أبداها لي أستاذ الرياضة بجامعتي في أثناء مباراة الهوكي، وقد غلب فريقنا ب 11 جولا ل 3، ولما ذهبت إليه أبين له عبث الاستمرار في اللعب، ولا سيما بعد أن أخذ المطر ينهمر، قال لي وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة: «تفضل، وأتم أنت وزملاؤك اللعب إلى النهاية، وهذا ما أتيتم لأجله اليوم.»
هذه الجملة أيها السادة هي التي كنت أسمع دويها في أذني بعد أن غادرت إنجلترا بسنين، وهي التي يرجع إليها فضل مواجهتي الموت غير مرة كما ذكرت.
أيها السادة
لئن كان من الميسور أن أبين لحضراتكم في مثل ذلك الوقت المحدود أثر الروح الرياضية في تكوين الأخلاق، فإنه من الصعب أن أبين هذا الأثر في نفسية الشعوب وسائر الأمم، أما الآن وهذه الحرب قد شبت، وحدث من شئونها ما حدث، ووقع من ويلاتها ما وقع، وكان من صروفها ما لم يكن يخطر لأحد منا على بال، فإن أمامكم أكبر مثل وأروعه يطالع التاريخ به العالم حين يسجل موقف هذه البلاد منها، ذلك الموقف الذي لم تكن إنجلترا مدينة فيه لصفحات الكتب ولا لمنابر الخطابة، ولكن لميادين الألعاب الرياضية.
اضطرت إنجلترا إلى خوض غمار الحرب - كما تعرفون - وهي غير مستعدة لها، ولكنها حين رأت الواجب يقضي عليها بتجريد السلاح بعد عشرين عاما من حرب طاحنة عانت فيها ما عانت، ودفعت من الثمن المبهظ ما دفعت، مضت تتحمل التبعة غير ضجرة، ونهض الشعب كله، بل وشعوب الإمبراطورية جميعا نهضة رجل واحد، كل فرد رجلا كان أو امرأة، شيخا كان أو صبيا، يسعى في صمت للأخذ بنصيبه وأداء واجبه.
وهكذا الشعوب أيها السادة تردد صدى ميادين ألعابها، فإذا رأيتم لاعبا في أمة من الأمم قد استأثر بالكرة مثلا، ملتمسا إعجاب الجمهور به وتصفيقه له، فثقوا أنه إذا كبر ودخل ميادين المجتمع فسيكون فيها كما كان في ميدان اللعب، سيكون الفرد الذي يؤثر نفسه على الجماعة، ويضحي في سبيل أنانيته بكل مثل من المثل العليا.
وإذا وجدتم لاعبا في ملعب من الملاعب يتهرب من المسئولية، ويلقيها على زميل له، ويحتكم إلى الجمهور بطريقة من الطرق مبتغيا أن يكبره وينتصر له، فاذكروا أنه بمثل هذه الأخلاق سيعيش في المجتمع.
واذكروا كذلك أيها السادة أن أمة يرضيها أن تسود الفوضى فيها ميادين الألعاب، ويتنصل أبناؤها من التبعات بسهولة لهي في الواقع أمة منحلة العرى مفككة الروابط.
ناپیژندل شوی مخ