ختیځ ژوند
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
ژانرونه
إن العامل الأكبر الذي ساعد على هذا التقدم هو تحول اليابان من بلاد زراعية - كالبلاد المصرية الآن - إلى بلاد صناعية، بالرغم مما كان ينقصها في أول عهد نهضتها من رءوس الأموال ووفرة المواد الأولية والتخصص في مناحي الإنتاج والتجارة والخبرة الفنية ورجال العلم الحديث. زد على ذلك أنه في ذلك الوقت، أي حوالي سنة 1870، كانت البلاد الأوروبية والأمريكية أتمت تحولها الصناعي وفي استطاعتها خنق الصناعة اليابانية في مهدها، كما أن الامتيازات الأجنبية كانت تحول دون تمتع اليابان بالحرية التشريعية اللازمة للدفاع عن منتجاتها، كما هي عليه الحال الآن في مصر المثقلة بأعباء تلك الامتيازات، ومع ذلك كله تغلب اليابانيون على جميع هذه الصعاب، ووصلوا ببلادهم إلى ما هي عليه من رقي وفلاح. وقد جعلهم النمو المطرد في عدد سكانهم لا يتوانون في العمل، ففي سنة 1870 كان عددهم نحو 35 مليونا من الأنفس فأصبح الآن نيفا و90 مليونا، وهم يزدادون بنحو 912 ألف نفس في السنة الواحدة. وعلى الرغم من استغلال البلاد استغلالا زراعيا لا نظير له، فإنها لم تعد تنتج ما يكفي لإطعام مثل هذا العدد العظيم من السكان، فكان ذلك مساعدا على السرعة في نمو الصناعة اليابانية لكي تتمكن من التصدير وشراء ما يلزمها من الخارج، ومثلها في هذا الشأن مثل إنجلترا نفسها.
وكان للحكومة اليابانية الفضل الأكبر في تحويل البلاد من بلاد زراعية إلى صناعية، فهي لم تقتصر على مساعدة المشروعات الوطنية مساعدة مالية واسعة النطاق، بل إنها أنشأت أعمالا جديدة وأكثرت من المدارس الصناعية والتجارية، وجعلت نفسها بواسطة التشريع في مقام الوصي والرقيب على هذا التطور المجيد، آزرت المشروعات الوطنية ماليا بتقرير إعانات سخية وجوائز عديدة للصادرات والمنتجات، وكان ذلك أكبر مشجع لنمو الملاحة اليابانية فأصبحت اليابان من جهة عدد سفنها التجارية وحمولتها في الدرجة الثالثة بين جميع الدول، أي بعد بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، كما أنها أنشأت مصانع الحرير ونسيج القطن والصوف والمواد الكيماوية، وأكثرت من الإرساليات اليابانية لأوروبا، ومن استخدام الخبراء الغربيين لتدريب اليابانيين على الأعمال الميكانيكية، وبذلت جهودا جبارة في الأزمات الاقتصادية لكي تخفف وطأتها عن مالية البلاد وتجارتها وصناعتها، وذلك بتأسيس الاتحادات الكبرى ومعاونة المصارف الوطنية معاونة قوية.
وأما العامل الثاني الذي ساعد على تقدم اليابان العجيب فوطنيتهم الصادقة التي مكنتهم من اقتباس كافة وسائل المدنية الغربية وأسباب رقيها مع المحافظة التامة على تقاليدهم الدينية والاجتماعية وعلى مبادئهم وأخلاقهم الوطنية، ومن بديع خصالهم أنهم متى علموا بتنفيذ مشروع وطني، سواء أكان ذلك شركة ملاحة أم مصرفا ماليا أم تأسيسا صناعيا أو تجاريا، فجميع اليابانيين، من الميكادو إلى أصغر عامل، يبذلون أقصى جهدهم في إنجاحه مهما كلفهم ذلك من تضحية.
هذا سر تقدم اليابان تقدما لا مثيل له في تاريخ الأمم، ففيه قدوة بالغة لمصر الناهضة إذا ما أرادت أن تبلغ شأوها وما وصلت إليه من قوة ونفوذ بين الدول.
وليست نهضة الشرق نهضة دينية مقصورة على يقظة الشعوب الإسلامية، ولا جنسية قاصرة على نهوض الأمم العربية أو الأمم الوثنية مثل الهنادك، بل هي نهضة إنسانية عامة مثلها كمثل دبيب الحياة الذي يسري في الأجسام بعد طول سقمها فهو البرء يتمشى في البدن المريض، وبداية النقاهة التي تبشر بالشفاء التام، بل هي تحقيق الحلم القديم الذي رآه بعض رجالنا الملهمين، أمثال المغفور لهم جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومصطفى كامل وإسماعيل عضبرنسكي ومحمد عبده وعبد الله نديم ومحمد باش حمبا التونسي.
يبلغ عدد المسلمين والعرب في العالم أربعمائة مليون، يقطنون أوطانا من أخصب الأرض وأغناها، من الدار البيضاء وطنجة غربا إلى تين تسين بالصين شرقا، وكلهم يقرءون العربية ويفهمونها بحكم عبادتهم وعقيدتهم وكتابهم المنزل، ومعظم هذه الملايين خاضع للدول الأجنبية المستعمرة، وهم بطبيعة الحال قوة عظمى لا يستهان بها، ونحن ننادي بنهضتهم لا ليقاوموا أوروبا بالسلاح أو غيره، بل ليتعاونوا مع أوروبا في العمل على تقدم العالم. إن تقهقرهم ونومهم خسارة على الإنسانية، نريد سيادة المحبة بين جميع الأمم، وأن يشترك الشرقيون المسلمون منهم والوثنيون والنصارى واليهود في خدمة الحضارة مع أوروبا، لأنهم أرباب المدنيات القديمة في العالم، ولأنهم علموا أوروبا العلوم والفنون التي أنتجت المدنية الأوروبية الحديثة كما أثبته درابر وجوستاف ليبون وسدليو وإدوارد براون وعشرات غيرهم. لا نريد حربا ولا رقا، بل نريد سلاما وحرية وإخاء، هذا هو المثل الأعلى الذي ينشده الشرق.
إننا إن طلبنا للشرق نصيبه في الحياة، وألححنا في ضرورة إحلاله محله في ضوء الشمس، فلا نطلب ذلك مبالغين ولا متعنتين، ولكن نطالب به متمشين مع روح العصر، فقد تغيرت الدنيا ومن عليها، وتطورت الأفكار العامة والخاصة في جميع ناحياتها، حتى علاقة إنجلترا بمستعمراتها وأملاكها وراء البحار وأمام البحار قد تغيرت وتبدلت، وقد شرحنا في فصل [نظريات الاستعمار وتطور الامبراطورية] من هذا الكتاب طريقة التطور الطبيعي التي طرأت على علاقة الحكومة الإنجليزية بأجزاء الإمبراطورية وأشرنا إلى ما طرأ على نظام الدولة بالقانون الجديد.
فقد وافق البرلمان البريطاني قبل انصرافه بالإجازة 1931 على قانون جديد أطلق عليه اسم «دستور وستمنستر»، والغريب أن الرأي العام لم يلتفت كثيرا إلى هذا القانون الخطير الذي لا نظير له في تاريخ التشريع البريطاني، وهذا القانون يقتصر على تثبيت القرارات التي أصدرها المؤتمر الإمبراطوري الذي انعقد سنة 1926، ومن جملتها التصريح الآتي:
إن بريطانيا العظمى والدومنيون طوائف مستقلة في داخل الإمبراطورية البريطانية، وجميعها في مستوى واحد غير خاضع بعضها لبعض في أية ناحية من نواحي أمورها الداخلية أو الخارجية، على أنها مرتبطة بولاء مشترك نحو التاج، وشريكة حرة في الجامعة البريطانية.
وبعبارة أخرى إن دستور وستمنستر يعلن بصفة قاطعة أنه ليس ثمة حكومة إمبراطورية ولا برلمان إمبراطوري، وأن كلمة «إمبراطورية» نفسها لم تعد قابلة للتطبيق على جماعة الأمم البريطانية التي يطلق عليها الآن بمقتضى هذا القانون، وللمرة الأولى في التاريخ، اسم
ناپیژندل شوی مخ