عطر الهواء قبل أن تغادر
هذا صنيع سيقدره الآخرون
وتحت اللافتة ثمة حاوية معلقة بها أعواد ثقاب جديدة. كنت أشعر دائما بالخجل وأنا أقرأ هذه الملحوظة وكأنني ضبطت متلبسة، ولكنني كنت دائما ما أشعل عود ثقاب.
ظلتا تقصان القصص نفسها وتلعبان الحيل نفسها التي أصبحت الآن مستهلكة تماما وفقدت معناها من كثرة الاستخدام، فبمرور الزمن أصبحت كل كلمة وكل تعبير وجه وكل حركة باليد تبدو شيئا قديما أتذكره جيدا، وكانت كل منهما نفسا مركبة بعناية فائقة، فكلما تقدمت في السن بدت هذه التركيبة أكثر ضعفا وإثارة للإعجاب وغير إنسانية. كان ذلك ما انتهى إليه حالهما بعد أن فقدا الرجل الذي يهتمان بأمره ويعجبان به، وبعدما رحلتا عن المكان الذي ازدهر فيه تكلفهما بصورة طبيعية. كانت العمة إلسبيث تصاب بالصمم تدريجيا، وعانت العمة جريس من التهاب المفاصل في يديها، وهكذا اضطرت في نهاية الأمر لأن تتخلى عن كل ما تفعل ما عدا النوع الرديء من الحياكة. لكنهما في النهاية، لم تتغيرا ولم تتضررا ولم يظهر عليهما المرض، فقد احتفظتا - بمزيد من الجهد والشعور بالالتزام - بهيئتهما الخارجية كما هي.
وعندما انتقلتا، اصطحبتا معهما مخطوطة العم كريج، ومن حين لآخر كانتا تتحدثان عن إبرازها لشخص ما؛ مثل السيد بيوكانان معلم التاريخ في المدرسة الثانوية، أو السيد فوكس من جريدة «هيرالد أدفانس»، ولكنهما لم ترغبا في أن يبدو الأمر كما لو أنهما تطلبان خدمة. وبمن يمكنهما الوثوق؟ فبعض الناس قد يستحوذون عليها ويعرضونها كما لو أنها عملهم من صنع أيديهم.
وذات مساء أحضرتا العلبة المصنوعة من القصدير ذات اللونين الأحمر والذهبي، والتي تحمل صورة الملكة ألكساندرا ممتلئة بكعك الشوفان الدائري الملصق ببعضه بالتمر المطهو، بالإضافة إلى صندوق كبير آخر من القصدير أسود اللون مضاد للحريق وموصد بقفل. «إنه تاريخ العم كريج.» «ما يقرب من ألف صفحة.» «أكبر من عدد صفحات رواية «ذهب مع الريح»!» «وقد كتبها بشكل جميل بلا أخطاء.» «لقد كتب الصفحة الأخيرة بعد ظهر اليوم الذي توفي فيه.»
وألحتا علي قائلتين: «خذيه، اطلعي عليه.» بنفس الطريقة التي يقدمان لي بها الكعك.
قلبت الصفحات سريعا حتى الصفحة الأخيرة. «اقرئي فيه قليلا، وسوف يثير اهتمامك. ألم تحصلي دائما على علامات جيدة في مادة التاريخ؟»
أثناء الربيع والصيف وبداية الخريف من ذلك العام، أقيمت العديد من المباني في بلدات فيرمايل وموريس وجرانتلي، وفي زاوية طريقي كونسيشن فايف وريفر سايدروود في فيرمايل، أنشئت كنيسة ميثودية كي تخدم طائفة كبيرة متزايدة في تلك المنطقة، وعرفت باسم كنيسة الطوب الأبيض، ولكن لسوء الحظ فإنها لم تبق إلا حتى عام 1924، عندما دمرها حريق مجهول السبب، ولكن مخزن العربات التي تجرها الخيول نجا من الحريق رغم أنه مصنوع من الخشب. وعلى الجانب المقابل، بنى السيد أليكس هيدلي متجرا عاما كبيرا وافتتحه، ولكنه توفي بعد شهرين من الافتتاح من جراء الإصابة بسكتة دماغية، واستأنف ولداه إدوارد وتوماس العمل. وثمة ورشة حدادة تعمل على مسافة في طريق فيفث كونسيشن، واسم العائلة التي تملكها أودونيل. وكانت هذه الزاوية من الطريق تعرف إما باسم زاوية هيدلي أو زاوية الكنيسة. ولا يوجد شيء في هذا الموقع في الوقت الحالي سوى مبنى المتجر الذي استأجرته عائلة وتعيش فيه.
وبينما كنت أقرأ ذلك الجزء، قالتا بتردد لطيف بسبب المفاجأة إن تلك المخطوطة ملكي. «وكذلك كل ملفاته وصحفه القديمة سوف تصبح ملكا لك عند وفاتنا، أو قبلها، فلا حاجة للانتظار! إذا كنت مستعدة لذلك.» «لأننا نأمل؛ نأمل أنك يوما ما ستتمكنين من استكمالها.» «كنا نفكر في إعطائها لأوين لأنه الصبي ...» «ولكنك أنت من تملكين موهبة كتابة موضوعات الإنشاء.»
ناپیژندل شوی مخ