لم ينقطع الرافعي عن الشعر بعد تلك الفترة، ولكنه لن يقتصر عليه، وسنتحدث عن ديوان الرافعي الذي لم ينشر حين تحين الفرصة للحديث عن أعماله الناقصة.
شعراء عصره
قدمت الحديث عن شيوخ الرافعي في الشعر الذي أخذ عنهم أو اقتفى آثارهم أو جرى معهم على سنن، وأثبت ما كان بينه وبين حافظ من المنافسة، وما كان يتمتع به حافظ يومئذ من الشهرة والجاه والحظوة عند الشعب، تلك الشهرة التي ألهبت غيرة الرافعي وحفزته إلى الكفاح وحمسته إلى استكمال أسباب الغلبة، بعقد الأواصر وإنشاء المودات والدعاية لنفسه، ثم بينت ما كان بين الرافعي والكاظمي من صلة الحب والتقدير، وتساءلت في آخر القول: هل من الصلة بين الرافعي ويبن غير هؤلاء الثلاثة من شعراء الجيل؟ هل كان لغير البارودي وحافظ والكاظمي من شعراء العصر أثر في شعر الرافعي؟ وما مبلغ هذا الأثر؟ وما نتيجته؟ على أن الباحث لا يقنعه هذا التساؤل، وليس يكفيه من وسائل البحث أن يعلم من شعراء العصر هؤلاء الثلاثة فحسب، ولقد نشأ الرافعي الشاعر في أول هذا القرن وأوله حافل بثلة من الشعراء لم يجتمع مثلهم في زمان في بلد، فما مبلغ تأثر الرافعي بكل أولئك الشعراء المعاصرين؟
هنا أدع للرافعي نفسه أن يتحدث عن شعراء عصره، وما حديثه هذا إلا طرف من الدعاية التي كان يقوم بها لنفسه في أول عهده بالشعر؛ ليبلغ المنزل الذي يطمح إليه، وإنه ليكشف عن شيء من خلق الرافعي وكبريائه واعتداده بنفسه، ويدل على قوة الرافعي وعنفوانه وشدته في النقد؛ إذ كان هذا الحديث أول ما كتب الرافعي في النقد.
إن أدباء العربية عامة لا يعرفون من الخصومات الأدبية أشهر شهرة من الخصومة بين الرافعي وأدباء عصره، فالخصومة بين الرافعي وطه، ويبن الرافعي والعقاد، وبين الرافعي وعبد الله عفيفي، وبينه وبين غير هؤلاء، هي خصومة مشهورة مذكورة في موضعها من تاريخ الأدب العربي في هذا الجيل، مشهورة مذكورة في موضعها في تاريخ النقد في العربية.
وإن قراء العربية عامة ليعرفون الرافعي الناقد معرفة بصيرة، ويعرفون شدته وعنفوانه في النقد، شدة حببته إلى الكثير، وألبت عليه الكثير، على أن من يريد أن يعرف أول شأن الرافعي في النقد فليقرأ مقال الرافعي «شعراء العصر في سنة 1905». •••
نشر الرافعي مقاله ذاك في عدد يناير سنة 1905 من مجلة الثريا بتوقيع (⋆)
وأحسبه أخفى اسمه وراء هذا الرمز حذر التهمة، وليبلغ به مبلغه من الدعاية لنفسه فقد جعل نفسه في الشعراء رابع الطبقة الأولى من طبقات ثلاث تنتظم كل من يعرف الرافعي من شعراء عصره، جعل الطبقة الأولى منهم على الترتيب: الكاظمي، والبارودي، وحافظ، والرافعي ...
والطبقة الثانية على الترتيب: صبري، وشوقي،
1
ناپیژندل شوی مخ