170

وهمس هامس: «يرحمه الله! لقد كان رجلا للدين وللعربية، هيهات أن تجد بديلا منه أو ينقضي زمان من عمر التاريخ!»

ثم عاد الصمت، وعاد السكون، إلا النظرات الشاردة، والخواطر المائجة، والذكريات والأماني ...

وهتف هاتف في جلال الصمت وفي وحشة السكون: «إن للفقيد لحقا على اللغة، وحقا على المسلمين، لا يجزئ فيهما أن نقول: يرحمه الله!»

وتدانت الرءوس، وتجاوبت النظرات، وانثالت الأفكار، وتزاحمت الأماني، ثم لم يلبث أن عاد الصمت وعم السكون!

ثم عاد القارئ يقرأ، وأنصت السامع يسمع، وانتحى اثنان يداولان الرأي في شأن من شئون الأدب، وتماسك اثنان يفاضلان بين الجديد والقديم، وغامت في سماء الندي غائمة، وانعقدت على رءوس السامرين عجاجة، وضج المكان كسالف عهده، واختلطت الأصوات فما يبين صوت من صوت، واشتغل كل بما هو فيه ...

وصاح صائح في نبرة البائس المحزون: «ويحكم يا بني العرب! لقد شغلتكم دنياكم عن الوفاء، وفتنتكم الحياة عن ذكر الموت! لقد كان هنا إنسان منكم، وإنه لأرفعكم صوتا، وأبلغكم بيانا، وأبعدكم غاية ومدى، فهلا ذكره منكم إنسان!»

وبرقت العيون، واختلجت الشفاه، واهتزت الرءوس، وانبعث صوت السامرين يحوقل ويسترجع في همس خافت، وقال قائلهم: «يرحمه الله! لقد كان ...!»

يرحمه الله! يرحمه الله!

هذا كل وفاء العربية للراحلين من أدبائها ، يتهاوون من الذروة إلى بطن الودي فردا فردا ، وإخوانهم على الطريق ينظرون إليهم في بلادة وصمت، لا تشيعهم منهم قدم، ولا تتبعهم عين باكية، ولا يذكرهم منهم إنسان!

يرحمه الله! يرحمه الله!

ناپیژندل شوی مخ