وأراك بهذه الدقة وهذا العلم كأنما ترغم الطبيعة أن تقدم لك حسابا عن كل مكان تتناوله منها، وأحسبها لو هي صنعت بناء كما تصنع ثمارها وأزهارها لجاءت به في موضعه على الرسم الذي تتخيله أنت لموضعه، كأنك أعطيت بالعلم سر إظهار الجمال في أشكاله كما أعطيت هي بالقدرة سر تكوين الأشكال في جمالها ...
ما أبدع ما تمزج أيها الساحر بين القريحة والمادة! وما أدق ما تصل بين الجمال والمنفعة! وما أكمل ما تحقق بين المخيلة والواقع! إن هذه الخطوط التي رسمتها لتكون ميلاد بيت جميل، هي نفسها ميلاد فن بليغ يقيم لك بناء فخما من إعجاب محبك!
مصطفى صادق الرافعي
ديسمبر سنة 1928
وقد طبع الأستاذ رمسيس من هذا الكتاب آلاف الصور؛ ليكون إعلانا عن فنه بشهادة الرافعي، وحسبك بها من شهادة! •••
ولئن كان في هذين الإعلانين الكفاية لإثبات ما قدمت من وصف أخلاقه الاجتماعية، إن في الحادثة التالية لشاهدا حقيقا بالنظر: عاد الأستاذ حافظ عامر من الحجاز ذات سنة في إجازته، فأهدى إلى الرافعي سبحة نادرة لمناسبة عودته، زعم له أنها تساوي بضعة جنيهات.
وعرض الرافعي السبحة علي وقال: «كم تساوي؟» قلت: «لا أدري!» قال: «فهل لك أن تقومها في السوق؟» فذهبت بها - ولم أكن أعرف أنها مهداة إليه - فلم أجد لها شبيها في السوق، ولكن تاجرا أنبأني أنها لا تساوي أكثر من جنيه!
وأنبأت الرافعي بما سمعت، فما لبث أن تناول قلمه وكتب رسالة إلى صديقه يعتب عليه أن يغالي بقيمة الهدية إلى خمسة أمثالها!
وعلمت بعد بما كتب الرافعي فتألمت لذلك ولم أكتم عليه رأيي، فنظر إلي مدهوشا، وهو يقول: «أتراه خطأ أن أكتب إليه بهذا ...؟»
قلت: «نعم!» فسكت هنيهة ثم قال: «وهل تراه يغضب لهذا؟»
ناپیژندل شوی مخ