5
لمجلس العروسين، وجعل فيه فنه وعاطفته نحو أخته وابن عمه وقدمه إليهما هدية عرس.
ولما جلس العروسان ذراعا إلى ذراع في عرش الورد، بارك لهما الرافعي ودعا، ثم خرج ليمضي ساعات في القهوة، ولقيني هناك وحدي، فانتحينا ناحية على حيد الشارع لا يترامى إلينا من أضواء القمر إلا شعاع حائل، وكان الرافعي يؤثر أن يجعل مجلسه في الصيف على ذلك الرصيف في جانب من القهوة، ويسميه «بلاج طنطا» إذ كان انفساح الشارع أمامه، وما يتعاقب عليه في الليل والنهار من ألوان الجمال في الطبيعة والناس، مما يحبب إلى العين أن تنظر، وإلى النفس أن تنبسط، وإلى الفكر أن يبدع فيما يخلق من ألوان الجمال ...
وكان الليل نائما يحلم، والطبيعة ساجية لا يسمع من صوتها إلا همس خافت، وفي الجو شعر يهزج في سرار النسيم وفي حفيف الشجر، وعرائس الخيال تطيف راقصة تنفح بالعطر وترف بالنور ... ولكن الرافعي جلس مجلسه صامتا لا يتحدث إلا كلمات إلى النادل يطلب كوب ماء ليشرب أو جمرات للكركرة ... واحترمت صمته فسكت عنه ...
ومضت ساعة، ثم رفع عينيه إلي وهو يقول: «الليلة عرس ابنتي ...!»
ولم يسمع جوابي؛ لأن دمعة كانت تترقرق في عينيه وهو يتحدث حبستني عن الجواب ...!
دمعة لم أترجم معناها إلا بعد سنتين، يوم جاءني يقول والدمع يلمع تحت أهدابه: «إن وهيبة مسافرة إلى زوجها في أمريكا،
6
ليس من الحق أن تبقى هنا وهو هناك!»
ثم يوم جاءني بعدها يقول وفي يده صحيفة أمريكية: «انظر هذه الصورة، إنهم يسمونه هناك : أصغر سائح مصري في أميركا ... إنه حفيدي مصطفى صادق الرافعي ...»
ناپیژندل شوی مخ