75

وأزوره يوما على موعد، فيقول لي ضاحكا: إنني آمنت بعظمة المتنبي وفضله على أبي تمام.

ثم يلمح دهشتي فيبادر قائلا: ولكنه تفضيل معلق على شرط، وهو أن تستخدم لنا حكمة صاحبك في عمل من أعمالنا هنا بوزارة الداخلية، وهو مراجعة الصحف العربية ...

تكميم الأفواه!

قال: والحيرة في أمر هذه الرقابة أن أكثر الرقابة بإدارة المطبوعات لا يفهمونها، ويحسبون أنها تكميم للأفواه والأقلام ومسابقة بينهم وبين الصحف في المكر والحيلة، فكلما خطر لهم أن صحيفة من الصحف تلعب بالألفاظ لتفويت خبر من الأخبار داخلهم الغرور، وظنوا أنهم يغلبون الصحيفة في المكر واللعب، فيحذفون الخبر ويصرون على منعه ومنع الإشارة إليه، ومن ترخص منهم في السماح بنشر الأخبار التي يحرص عليها الصحفيون، فإنما يترخص في ذلك مجاملة لأولئك الصحفيين من أجل الصداقة، أو من أجل المنفعة المتبادلة.

قال: ولا أدري ماذا أصنع وأنا الوكيل المصري المفروض فيه أنه أقدر من غيره على حل المشكلة، فهل لك أن تؤدي هذه الأمانة الشاقة، وأن تعيننا على تجربة الرقابة كما ينبغي أن تكون، بين العطف على الصحافة ورعاية مقتضى الحال ...

وكانت «رعاية مقتضى الحال» قد أصبحت من القوالب المحفوظة في أحاديثنا حول بلاغة المتنبي وبلاغة أبي تمام، وحظ الشاعرين من الحكمة على مقتضى الحال.

قلت: إنني أقبل العمل في الرقابة ولا غضاضة، ما دامت الرقابة من المصالح العامة في أيام الحروب.

عجزت والحمد لله!

وبعد ثلاثة أيام جاءني تنبيه وسؤال عن بعض الأخبار التي تركتها للنشر، وتحقق لهم أنني لم أحذفها.

وبعد يومين أو ثلاثة جاءتني دعوة إلى مكتب مستر «هور نبلور» الرقيب العام يتقدمها حديث مقتضب من «يوسف خلاط بك»، فلما دخلت المكتب سألني مستر «هور نبلور» مقطبا: هل راجعت هذه الأخبار؟ وقدم إلي رزمة من جزازات الصحف اليومية والأسبوعية.

ناپیژندل شوی مخ