45

وطالما حيرتني وحيرت غيري هذه المناقضة بين الصحافة اليومية اليومية المحترمة، والصحافة «غير اليومية» التي لم يكن لها حظ من الاحترام ...

وليس مما يدفع الحيرة أن نعلم أن «الفترات الخالقة» بطبيعتها متناقضة مشتملة على المحاولة من طرفيها، إلى النجاح أو إلى الإخفاق ...

ولكنني أحسب أن الصحافة في أوائل هذا القرن قد أصبحت «هامة»، ولم تصبح «عامة» إلا بعد حين ...

وهذا فيما أحسب هو علة التناقض بين صحافة يومية محترمة - بمقاييس المجتمع - وصحافة أخرى غير محترمة بكل مقياس من هذه المقاييس ...

فالصحافة إذا كانت وظيفة هامة، أثبتتها القوة الاجتماعية التي تعرف لها أهميتها، وتحذر من إهمالها، وهذه القوة الاجتماعية تأتي من قمة المجتمع ومركز القيادة فيه ...

وأما «الوظيفة العامة» فلا غنى لها عن «رأي عام» يسندها ويراقبها ويتعهدها، ويتكفل لها كما تتكفل له بالحماية والرعاية ...

ولم يكن لهذا «الرأي العام» وجود في أوائل القرن العشرين، ولم تكن الصحيفة الأسبوعية قد بلغت من القوة أن تؤدي الوظيفة الهامة التي تؤديها الصحيفة اليومية، وتهتم بها قيادة اجتماعية تعرف لها عملها، وتتقي عواقب الإهمال فيه ...

كانت الصحيفة اليومية توجد لأنها لازمة مهمة في اعتبار طائفة تتولى القيادة الاجتماعية ...

أما الصحيفة الأسبوعية، فإنما كانت توجد لأنها لازمة لصاحبها ومن يعمل فيها، فإن لم يتكفلوا بتدبير أمرها، فما من أحد غيرهم يتكفل بتدبيره ...

وعلى كلتا الحالتين كانت الصحافة - يومية وغير يومية - عارضا غريبا على المجتمعات المصرية، ولم تكن هناك بيئة خاصة يقصدها الصحفيون لأنهم صحفيون، بل لم تكن للصحافة نفسها كلمة متفق عليها ... فربما سمي الكاتب في الصحيفة بالتحريرجي، أو الجورنالجي، أو الغازيتجي، أو المحرر من صناعة التحرير في المطابع والدواوين التي تكتب فيها الرسائل ... فأما كلمة «الصحافة» فهي بدعة مستحدثة خلقها اللغويون على وزن «فعالة» كالنجارة والحدادة والملاحة والتجارة، وكل ما يأتي على هذا الوزن للدلالة على الصناعات.

ناپیژندل شوی مخ