تأليف
عباس محمود العقاد
ولادة قلم
ألا أعرف نفسي؟
سؤال نسمعه كل يوم ولا نجيب عنه، ولا يجيب عنه قائله؛ لأنه في عرفنا جميعا غني عن الجواب، أو جوابه بلسان الحال يغني عن جوابه بلسان المقال، وكأننا نقول لكل من يسأله: عفوا ... كيف لا تعرف نفسك؟ ... تعرفها بالتحقيق!
ومع هذا أقول بعد تجربة طويلة للبواعث النفسية التي تدفعني إلى أكبر الأعمال وأصغر الأعمال على السواء: إن الإنسان يعرف نفسه بالتخمين لا بالتحقيق، وإنه كثيرا ما يكون في تخمينه عنها غريبا يبحث عن سر غريب، ولا فرق في هذا بين البحث عن أعمالنا، والبحث عن أعمال غيرنا إلا في الدرجة والمقدار، بحكم العادة والتكرار.
حديث مع نفسي!
إنني أعمل في تحرير الصحف من خمسين سنة، وكنت أكتب لها متطوعا قبل ذلك بسنوات قليلة ... وأزيد القارئ فأقول: إنني منذ بلغت سن الطفولة وفهمت شيئا يسمى المستقبل لم أعرف لي أملا في الحياة غير صناعة القلم، ولم تكن أمامي صورة لصناعة القلم في أول الأمر غير صناعة الصحافة.
ولكنني مع هذا أسأل نفسي الآن كما سألتها من قبل: لماذا اخترت هذه الصناعة دون غيرها في طفولتي، وجعلتها أملا من آمال الحياة الكبرى ... بل أمل الحياة الأكبر؟ فلا أدري باعث هذا الاختيار على سبيل التحقيق، ولا أستغني فيه عن التخمين أو التخمين الكثير، بعد المقارنة بين ذكريات الطفولة وملابساتها، وبعد الترجيح من هنا والشك من هناك، كما يفعل الباحث في السير والتراجم حين يعمد إلى التخمين عن حياة الآخرين.
وأكثر من هذا: إنني «أضبط» نفسي وهي تروغ مني، وتحاول أن تقنعني بوجهة غير الوجهة التي تعنيها أو تعنيني، ثم نتلاقى مبتسمين، وأكاد أسألها: أأنت هنا؟ وتكاد تسألني: وها أنت يا صاح؟ ... ثم لا نلبث أن نعلم أننا لم يفهم بعضنا بعضا من الكلمة الأولى، وأننا نحتاج بعدها إلى كلمة أو كلمات نثوب بعدها إلى التفاهم والاتفاق. •••
ناپیژندل شوی مخ