167

كانت أم الفضل، زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي، موكلة من أختها ميمونة في تزويجها، وكانت ميمونة في السادسة والعشرين من عمرها، وكانت خالة خالد بن الوليد. وأقامت أم الفضل زوجها العباس مقامها في تزويج أختها. ولما رأت ميمونة ما رأت من أمر المسلمين في عمرة القضاء هوت إلى الإسلام نفسها، فخاطب العباس ابن أخيه في أمرها وعرض عليه أن يتزوجها. وقبل محمد وأصدقها أربعمائة درهم. وكانت ثلاثة الأيام التي نص عهد الحديبية عليها قد انقضت، لكن محمدا أراد أن يتخذ من زواجه ميمونة وسيلة لزيادة في التفاهم بينه وبين قريش.

فلما جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى من قبل قريش يقولان لمحمد: «إنه انقضى أجلك فاخرج عنا .» قال لهما: «ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه.» قال محمد ذلك وهو يعلم ما تركت عمرة القضاء في نفوس أهل مكة من أثر، كيف سحرتهم وسكنت من خصومتهم، ويعلم أنهم إن قبلوا دعوته إلى الطعام فتحدث إليهم وتحدثوا إليه فتحت مكة أمامه أبوابها طائعة. وهذا ما خشي سهيل وحويطب؛ لذلك كان جوابهما: «لا حاجة بنا إلى طعامك فاخرج عنا.» ولم يتردد محمد في النزول على رأيهما تنفيذا لعهده مع قومهما، فأذن في المسلمين بالرحيل، وخرج المسلمون من ورائه. وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة حتى أتاه بها بسرف

4

فبنى بها. وميمونة أم المؤمنين آخر أزواج النبي، عمرت بعده خمسين سنة، ثم طلبت أن تدفن حيث بنى بها رسول الله. وحمل محمد أختي ميمونة: سلمى أرملة عمه حمزة، وعمارة البكر التي لم تتزوج.

وبلغ المسلمون المدينة وأقاموا بها، محمد لا يشك في عظم ما تركت عمرة القضاء من أثر في نفوس قريش وفي نفوس أهل مكة جميعا، ولا يشك فيما سينشأ عنها من آثار سريعة خطيرة.

وصدقت الأيام تقديره؛ فإنه ما كاد يتحمل راجعا إلى المدينة حتى وقف خالد بن الوليد فارس قريش المعلم وبطل أحد يقول في جمع منها: «لقد استبان لكل ذي عقل أن محمدا ليس بساحر ولا شاعر، وأن كلامه من كلام رب العالمين. فحق على كل ذي لب أن يتبعه.» وقد فزع عكرمة بن أبي جهل لما سمع، فرد قائلا: لقد صبؤت يا خالد. ودار بينهما الحديث الآتي:

خالد :

لم أصبؤ ولكني أسلمت.

عكرمة :

والله إن كان أحق قريش ألا يتكلم بهذا الكلام لأنت.

ناپیژندل شوی مخ