إذا الليوث أقبلت تحرب
7
إن حماي للحمى لا يقرب
يحجم عن صولتي المجرب
فصاح محمد بأصحابه: من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله. أنا والله الموتور الثائر! قتل أخي بالأمس. وقام إليه بإذن النبي، وتصاولا حتى كاد مرحب يقتله، لكن ابن مسلمة اتقى سيفه بالدرقة فوقع السيف فيها فعضت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله. وكذلك كانت هذه الحرب بين اليهود والمسلمين ضروسا قاسية، وكانت منعة حصون اليهود تزيدها شدة وقسوة.
حاصر المسلمون حصن الزبير وطال حصارهم إياه وقاتلوا قتالا شديدا، ومع ذلك لم يستطيعوا فتحه حتى قطعوا الماء عنه واضطروا اليهود فيه إلى الخروج منه وإلى قتال المسلمين قتالا انتهى بالأولين إلى أن يلوذوا بالفرار. وكذلك جعلت الحصون تقع واحدا بعد الآخر في أيدي المسلمين، حتى انتهوا إلى الوطيح والسلالم بمنطقة الكتيبة، وكانا آخر حصنين منيعين لهم. هنالك استولى على نفوسهم اليأس، فطلبوا الصلح بعد أن حاز النبي أموالهم كلها بالشق ونطاة والكتيبة، على أن يحقن دماءهم، وقبل محمد وأبقاهم على أرضهم التي آلت له بحكم الفتح، على أن يكون لهم نصف ثمرها مقابل عملهم.
عامل محمد يهود خيبر بغير ما عامل به بني قينقاع وبني النضير حين أجلاهم عن أرضهم؛ لأنه أمن بسقوط خيبر بأس اليهود، وآمن بأنهم لن تقوم لهم بعد ذلك قائمة أبدا. ثم إن ما كان بخيبر من الحدائق والمزارع والنخيل كان يحتاج إلى الأيدي العاملة الكثيرة لاستغلاله وحسن القيام على زراعته. ولئن كان أنصار المدينة أهل زراعة، لقد كانت أرضهم بها في حاجة إلى أذرعهم كما أن النبي كان في حاجة إلى جيوشه للحرب، فهو لا يرضى أن يتركها للزرع. وكذلك ظل يهود خيبر يعملون بعد أن انهار سلطانهم السياسي انهيارا جنى على نشاطهم؛ حتى لقد أسرعت خيبر من ناحية الزراعة نفسها إلى البوار والخراب، مع ما كان من حسن معاملة النبي أهلها، ومن عدل عبد الله بن رواحة رسوله إليهم كل عام بينهم في القسمة. وكان من إحسان النبي معاملة يهود خيبر أنه كان من بين ما غنم المسلمون حين غزوها عدة صحائف من التوراة، فطلب اليهود ردها فأمر النبي بتسليمها لهم، ولم يصنع صنيع الرومان حين فتحوا أورشليم وأحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم، ولا هو صنع صنيع النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس حين أحرقوا كذلك صحف التوراة.
ولما طلب يهود خيبر الصلح، أثناء محاصرة المسلمين إياهم في حصني الوطيح والسلالم، بعث النبي إلى أهل فدك ليسلموا برسالته أو يسلموا أموالهم. ووقع في نفوس أهل فدك الرعب بعد الذي علموا من أمر خيبر، فتصالحوا على نصف أموالهم من غير قتال. فكانت خيبر للمسلمين لأنهم قاتلوا لاستخلاصها، وكانت فدك خالصة لمحمد لأن المسلمين لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.
وتجهز الرسول بعد ذلك كله للعود إلى المدينة عن طريق وادي القرى؛ فتجهز يهودها لقتال المسلمين، وقاتلوا. لكنهم اضطروا إلى الإذعان والصلح كما صنعت خيبر. أما يهود تيماء فقبلوا الجزية من غير حرب ولا قتال. وبذلك دانت اليهود كلها لسلطان النبي، وانتهى كل ما كان لهم من سلطان في شبه الجزيرة، وأصبح محمد بمأمن من ناحية الشمال إلى الشام، كما صار من قبل ذلك بمأمن من ناحية الجنوب بعد صلح الحديبية. وبانهيار سلطان اليهود خفت بغضاء المسلمين، والأنصار منهم خاصة، لهم، وتغاضوا عن رجوع بعضهم إلى يثرب، ووقف النبي مع اليهود الذين بكوا عبد الله بن أبي وعزى ابنه؛ وأوصى معاذ بن جبل بألا يفتن اليهود عن يهوديتهم؛ ولم يفرض الجزية على يهود البحرين وإن ظلوا متمسكين بدين آبائهم؛ وصالح بني غازية وبني عريض على أن لهم الذمة وعليهم الجزية.
وعلى الجملة دان اليهود لسلطان المسلمين، وتضعضع في بلاد العرب مركزهم حتى اضطروا إلى مهاجرة تلك البلاد وكانوا من قبل بها أعزة، وحتى تم جلاؤهم في حياة الرسول على قول، وبعد وفاته على قول آخر.
ناپیژندل شوی مخ