حیات ابن خلدون
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
ژانرونه
بوجهك صان الله وجهك عن رد
محياك أجلى في العيون من الضحى
وذكرك أحلى في الشفاه من الشهد
واطرد في هذا النسق المعبر عن الوداد المحض والشوق الطافح، وبلوغ الشعر في جودته إلى هذا الحد مما ينبه على رفعة منزلة ابن خلدون في نفس الوزير ابن زمرك؛ إذ الشاعر وإن كان مفلقا لا يطيل نفس الشعر ويرتقي في إبداعه إلى هذا المظهر إلا عن داعية تزعج قريحته وتأخذ بمجامع عنايته. وليست الداعية في هذا المقام سوى الإعجاب بكمال ابن خلدون، والحنين إلى حدائق آدابه الزاهرة.
وبعد عودته إلى القاهرة تقلد خطة القضاء مرة ثانية، ثم عزل عنها، وقد تولاها مرارا، وبلغت ولايته لها ثم تخليه عنها منذ هبط مصر إلى أن توفي نحو ست مرات. (26) ابن خلدون والطاغية تيمورلنك
وكان الملك الناصر فرج يسلك في رعايته والإقبال عليه بوجه البر والإنعام مسلك أبيه الملك الظاهر، واستصحبه في خروجه إلى الشام أيام الفتنة التترية. فكان ابن خلدون ممن وقعوا في الأسر. ثم غشي مجلس تيمورلنك في طائفة من الأعيان والقضاة، ومكنه دهاؤه وبراعته في فن السياسة من افتتاح باب المخاطبة والدخول معه في حديث أصاب مواقع هواه، وأخذ بمجامع لبه، حتى أحرز لديه مكانة الرعاية والإكرام، وحمله الإعجاب بسمو مداركه وكياسة منطقه على اصطفائه لنفسه، والانقلاب به إلى مقر ملكه؛ ليكون شهابا ثاقبا في سماء دولته، ودرة وضاءة في سلك علمائه.
ولم تطب نفس ابن خلدون لأن يحط في أهواء هذا الطاغية ويتطوح في مجاراته أن يدخل في شيعته ويعمل تحت لوائه، وتلطف في مخادعته باستئذانه في العود إلى مصر؛ ليجمع أمره، ويضم إليه أهله وكتبه، فنفذت الخدعة، وبلغ أمنيته، فعاد إلى القاهرة، ومد بها طنب الإقامة إلى أن أدركه أجله وهو في منصب القضاء لأربع بقين من رمضان سنة 808، ودفن في مقابر الصوفية خارج باب النصر. وقبره غير معروف شأن من يوافيه الحمام في دار غربة، أو يقبره قوم كسدت لديهم بضاعته الغالية، وكلت أبصارهم دون الوصول إلى مراميه السامية. (27) أخلاق ابن خلدون
يمكن للناظر فيما اقتبسناه من سيرة ابن خلدون أن يشهد له ببعض خصال سامية؛ كعلو الهمة، ورقة الحاشية، وقلة المبالاة باقتحام المصاعب والأخطار. وقد وصفه لسان الدين بن الخطيب في كتاب الإحاطة ببعض أخلاق شريفة؛ إذ قال: هو حسن الخلق، جم الفضائل، ظاهر الحياء، وقور المجلس، عالي الهمة، عزوف عن الضيم، صعب المقادة، قوي الجأش، طامح لقنن الرياسة، جواد، حسن العشرة، عاكف على رعي خلال الأصالة. ووصفه الوزير أبو عبد الله بن زمرك في قصيدته المومأ إليها آنفا بشدة الحياء؛ إذ قال:
يقابلني منك الصباح بوجنة
حكى شفقا فيه الحياء الذي تبدي
ناپیژندل شوی مخ