وفيها، تكامل بناء سور الرصافة، الذي أمر بعمارته الخليفة المستنصر بالله.
وفيها، ولي الأمير شمس الدين أصلان تكين الناصري، إمارة الحاج وحج الناس في هذه السنة.
وفيها، توفي عضد الدين أيو نصر المبارك بن الضحاك وكان شيخا دينا فاضلا أديبا، وكان من المعدلين بمدينة السلام، ورتب ناظرا بديوان الجوالي، وكتب ديوان الانشاء، ثم نفذ رسولا إلى صاحب الشام، فلما عاد رتب أستاذ دار الخلافة، فكان على ذلك إلى أن توفي، وكان له شعر حسن، فمما نسب إليه ما رئى به بعض أصحابه وهو:
لئن مضى أحمد حميدا ... ما الموت في أخذه حميد
أو بخلت مقلة بدمع ... فهي على مثله تجود
وفيها، توفى الأمير نور الدين ككسنقر التركي المعروف بالحلقي كان أولا لبعض أمراء العراق، فلما توجه الوزير بن القصاب إلى هناك وأستولى على تلك الأماكن، حضر عنده بعض الأمراء فشاهد معه ككسنقر المذكور فاستحسن صورته وأعجبه قده وهيفه، فأشار إلى بعض المماليك بأن يتحدث إليه ويطمعه في سيده بحيث يطلب منه الانفصال عنه وبعده أن ينفذ به إلى بغداد ويصير بها أميرا أكبر من سيده، فاجتمع به المملوك، وفاوضه في ذلك ورغبه فشافه سيده بذلك، فقلق قلقا شديدا وتضرع إليه في أن لا يفارقه فلم يرق له فمنعه سيده من الخروج فالقى نفسه من الدار ومضى هاربا إلى الوزير واستجار ببابه فأدخله إليه وسمع كلامه، وأحضر سيده وتحدث معه في بيعه فلم يجب إلى ذلك، فأمر الوزير بانفاذ ككسنقر إلى بغداد مع ثقة، فلما وصل، ورآه الخليفة فأحسن إليه وتلقاه بالقبول، ولم يزل في ارتقاء وعلو منزلة، وقربه حتى ولاه الإمارة وجعله أمير السلاح وأقطعه معاملة الحدادية، من أعمال واسط ثم أقطع قوسان، وأضيف إليه جماعة من الأمراء ولم يزل يداوم على الشراب حت غلب عليه البلغم وسمن سمنا عظيما، عطله عن الحركة وامتنع من الركوب، فلم يزل على ذلك إلى أن توفي. وأما سيده فإنه لم بعد فراقه مشغوفا به هائما عليه. مفكرا فيه، حتى أخذه السل فأحرقه ومات.
وفيها، عاد الأمير مجير الدين جعفر بن أبي فراس الحلي إلى بغداد وكان مقيما بمصر عند ولده، فلما وصل، وقع الرضا عنه من الخليفة المستنصر بالله، وكان سبب توجهه إلى مصر، أن الخليفة الناصر كان قد أمره، وجعل إليه شحنكية واسط البصرة، ثم عزله عن ذلك ولم يوله فانقطع إلى التعبد وحج في إمارة ولده حسام الدين على الحاج، فلما فارق ولده الحاج، وتوجه إلى مصر، مضى صحبته وأقام إلى الآن، وعاد إلى بغداد في غرة رجب، وأقام بداره فأدركته المنية في آخر ذي الحجة، فصلي عليه في جامع القصر وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وفيها، توفي أحمد بن أبي السعود الرصافي الكاتب، كان يخدم ولي العهد أبا نصر محمد بن الخليفة الناصر لدين الله وكان يكتب له أنساب الطير والحمام، وكان يكتب خطا مليحا على طريقة ابن البواب وكان معجبا بخطه. كتب نهج البلاغة بخطه ونادى عيه فدفع فيه خمسة دنانير فلم يبعه، ثم نودي في الحال على قوائم، بخط ابن البواب خمسة عشر دينارا، فاستشاط وقال يدفع في نهج البلاغة بخطي خمسة دنانير ويدفع في قوائم بخط ابن البواب خمسة عشر دينارا. وليس بين الخطين كبير فرق ولا سيما هذا التفاوت، ثم ذكر قصة ابن جيوس لما اجيز على قصيدة عملها، الف دينار وتسامع الشعراء فحضر منهم جماعة وعرض كل منهم قصيدة، فلم يعط أحد منهم شيئا، فكتب أحدهم إلى الممدوح:
على بابك المعمور منا عصابة ... مفاليس فانظر في امور المفاليس
وقد رضيت هذي العصابة كلها ... بعشر الذي أعطيته لابن حيوس
وما بيننا هذا التفاوت كله ... ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس
فعجب الحاضرون منه.
سنة ثمان وعشرين وستمائة
مخ ۴