وقد فكر تولستوي كثيرا في هذا الموضوع، وله قصة تسمى «ثلاث توبات» توضح لنا رأيه في الموت، وقد كتبها في عام 1858.
والموتات الثلاثة هي موت سيدة ثرية متمدنة، وموت فلاح فقير ساذج، ثم موت شجرة. وهو يصف تدرج الموت، منذ بدايته حتى نهايته، في هذه الأحياء الثلاثة، وله نظرية في ذلك هي أنا نتألم من الموت ونخشاه؛ لأننا نحيا في الحضارة على وعي بأن كلا منا فرد منفصل، ويزداد هذا الإحساس إذا كنا متمدنين متعلمين؛ ولذلك تخشى في السيدة الموت.
أما الفلاح؛ فلأنه ساذج، يحيا مع الطبيعة ولا يحس فرديته إلا بمقدار صغير؛ أي إنه ليس على وعي خاص بحياته، هذا الفلاح يتحمل الموت ويستقبله بأقل الألم وأقل الخوف.
أما الشجرة التي تخلو من الوعي، وليس لها أي إحساس بفرديتها؛ إذ هي جزء متم لا ينفصل من الطبيعة، هذه الشجرة لا تحس بتاتا بالموت، ونحن حين نقطع غصونها ونكسر ساقها لا نجد فيها ما يدل على ألم أو خوف.
والمغزى الذي يستخرجه تولستوي من هذه المقارنة بين الموتات الثلاث، أنه كلما ازددنا ثقافة وتمدنا ومعرفة، ازددنا أيضا وعيا وانفصالا من المجموعة البشرية، ونحن نتألم لهذا الوعي والانفصال وقت الموت، ولكن لو كان وعينا وانفصالنا ضعيفين أو معدومين لكنا مثل الفلاح، بل مثل الشجرة؛ لأن موتنا جزئي إذ نحن أحياء في المجتمع أو الطبيعة لأننا لم ننفصل منهما، إذ يكون موتنا بمثابة من تكسر أصبعه أو يده فقط.
إن تولستوي طبعة أخرى لروسو ، إنه يمدح الحياة البدائية، بل يمدح الطبيعة غير الواعية، ويجد فيها الفلاح آلام الموت والشقاء من الخوف من العدم.
وهو بالطبع لا يؤمن بالغيبيات التي تلي الموت، ولا يشتهي، ولا ينتظر أطباق الحلوى بعد الموت، هذه الأطباق التي يعتقد بعضنا أنها تخفف من ألم الموت وتزيد الخوف منه، مع أن الواقع يثبت غير ذلك. •••
إن تولستوي يستحق النقد هنا.
ذلك أنه نظر إلى الموت من حيث إنه مواجهة العدم للإنسان، وأنه نهائي ليست بعده حياة أخرى، ولكن عبرة الموت يجب أن تنعكس على الحياة.
إذن ما دامت الحياة تنتهي بالموت انتهاء تاما؛ فيجب لذلك أن نحيا حياتنا بأقصى وأعمق ما نستطيع، وأن نجعل من هذه الدنيا نعيما لأبناء البشر، نحيا في سعادة وسلام وعلم وثقافة واستمتاع، ونعم الخير والعدل، ونتحمل نحن وحدنا المسئولية في كل ذلك بدلا من إلقاء المسئولية على قوات غيبية، ولكن تولستوي لم يكن يرتفع إلى هذا التفكير؛ لأنه لم يكن ثوريا، والثورة وحدها؛ أي السعي لإيجاد ثورة تغير المجتمع، هي التي نقلت الاهتمام النفسي والذهني من التفكير في الدين إلى التفكير في الدنيا.
ناپیژندل شوی مخ