أفصبر مئين خمسا من الأي
ام، ناهيك من عذاب أليم
سقم لا أعاد فيه وفي العا
ئد أنس يفي ببرء السقيم
بأبي أنت؛ إن تشأ، تك بردا
وسلاما كنار إبراهيم
وتصل الرسالة والقصيدة إلى ابن جهور فلا تتركا في نفسه من الأثر إلا ما يتركه دبيب النمال في الجبال، أو مناجاة الشعر للأطلال في الأطلال.
وبقي ابن زيدون كما هو في أسره وذله حزين النفس، واجف القلب، بعد أن تقطعت به الأسباب، وجفاه الصحاب. وكانت نائلة تزوره، وكانت ولادة لا تنقطع عنه، فبينما كانتا عنده في أحد الأيام راعهما ما بدا عليه من شحوب وذبول وقنوط من الحياة، وحنين إلى الموت. وكان يقول ويكرر؛ أما لهذا الليل من آخر؟ أما آن للطائر السجين أن يرف بجناحيه في الفضاء الطليق؟ ألم يأن للمقبور أن يبعث فيحاسب حسابا يسيرا أو عسيرا؟
فقالت ولادة: لا ينطلق الطائر إلا إذا حطم القفص. فنظرت إليها نائلة في استنكار وقالت: ما هذا يا ولادة؟ إن مما يؤلم اليائس أن يلوح له بأمل لا يتحقق - لماذا لا يتحقق؟ - لأن هذا السجن ليس قفصا يحطم، لأن حراس الطائر غلاظ شداد. - إن من الحيلة ما يعجز القوة. فعجل ابن زيدون وقال: وأين الحيلة يا سيدتي؟ - هينة يسيرة، وطالما فكرت فيها، وأقلقت وسادي في تصويرها. - وما هي؟ - إننا نبعث إليك بالطعام في كل يوم، وسيكون بين ألوانه في الغد طبق من الفالوذج خلط به عقار مخدر، فإذا حمله إليك السجان فأظهر الرضا عنه، وكافئه بطبق الفالوذج فيلتهمه، وعليك الباقي.
فوثب ابن زيدون نحو ولادة يقبلها من جبينها ويصيح: أنت ملك كريم يا سيدتي! عجبا كيف غاب عنا مثل هذه الحيلة!
ناپیژندل شوی مخ