قل للبغاة المنبضين قسيهم
سترون من تصميه تلك الأسهم!
ما كان حلم محمد ليحيله
عن عهده دغل الضمير مذمم
وزادت منزلة ابن زيدون عند المعتمد علاء ورفعة، فاهتبل فرصة خلوته به ليلة، وأخذ يحضه في إغراء واستهواء على أن يعيد لدولة العرب مجدها، ويجدد شبابها، ويذكره بما كان لها من الحول والصول، ثم يعود إلى ذكر ما ارتكست فيه من الضعف بعد أن فصمت عروتها، ثم يصيح في ألم وحسرة: انظر يا مولاي إلى هؤلاء الذين سموا أنفسهم أمراء وحدثني بحقك عمن تراه منهم جديرا بالرياسة. ابن هود ذلك الغادر؟ أم ابن الأفطس الذي يقضي ليله ونهاره في اللهو والطرب؟ أم ابن ذي النون الذي أصبح سيفا في يد ملك الأسبان؟ أم ابن باديس البربري الجاهل؟ من من هؤلاء يا مولاي يصلح لقيادة العرب وتوحيد الكلمة؟ لم يبق إلا أنت لرأب
2
الصدع وجمع الشمل، فاحمل العبء ثقيلا لتكتب في سجل العظماء، وليدوي ذكرك في أجواء التاريخ كل صباح ومساء. ثم إنك لم تكن دخيلا في الملك، ولا لصيقا في الرياسة، وإنك لخمي يا مولاي، إنك من بني المنذر بن ماء السماء ملك العرب وسيد سادتها.
كان المعتمد يصغي وغرائز العظمة تتوثب في نفسه، فمال على ابن زيدون وقال: وما الطريق إلى هذه القمة الشامخة وهذا الأمل البعيد؟ - الطريق يا مولاي أن تستولي على قرطبة أولا وأن تجعلها قصبة ملكك، ثم تغير منها على هذه الدويلات واحدة في إثر واحدة، والنصر يا مولاي يجلب النصر، والرعب إذا استولى على قلوب أعدائك سجن سيوفهم في أغمادها. - إن قرطبة الآن في يد هذا الطاغية الفاجر حريز بن عكاشة، فقد استولى عليها بعد أن رحل عنها المأمون بن ذي النون بجنوده، وقد علمت أن عبد الملك بن جهور يقاسي الآن من ابن عكاشة ما هو شر من الموت وأنكى من الذل والإسار. - نعم يا مولاي والرأي أن يتقدم مولاي بجيشه إلى قرطبة، وأن يذيع قبل مقدمه أنه إنما يزحف لإنقاذها من ابن عكاشة وإعادتها إلى عبد الملك بن جهور، ولا بد أن يكون لمولاي بين وزراء قرطبة وعظمائها من يمهدون لهذه الحيلة حتى لا يجد الجيش من القرطبيين مقاومة أو دفعا. - إن رجلنا هناك الوزير ابن السقاء، وهو أخلص الناس لنا وأحرصهم على خدمتنا. - حسن يا مولاي، فلنبعث إليه رسولا الليلة، ولنعد الجيش في أيام لننقض به على قرطبة.
واقتنع المعتمد بالرأي، وسار الرسول، وأعد الجيش وكان في مقدمته المعتمد وابن زيدون، وبلغ الجنود أسوار قرطبة فدخلوها وقد فتحت أمامهم الأبواب، وذللت لهم السبل، وقتل المعتمد ابن عكاشة وأباد جيشه، وظن عبد الملك أن الأمر انتهى عند هذا الحد، وأن المعتمد سيعود بجيشه إلى إشبيلية، ولكن المعتمد لم يفعل شيئا من هذا، بل قبض على عبد الملك وعلى إخوته وسائر أهل بيته وأودعهم غيابات السجون.
وسر ابن زيدون بلقاء ولادة، فبكيا معا من شدة سرورهما باللقاء، وبكيا معا لأن نائلة لم تكن معهما بعد أن عادت إليهما الأيام.
ناپیژندل شوی مخ